واللافت، بحسب المعلومات، أن النقاش التفصيلي الذي يجري تداوله في بيروت والعواصم المعنية، يتوسع في شكل جدّي حول مستقبل عمل الحكومة، فلا يقتصر أيّ حلّ مطروح على انتخاب رئيس جديد، من دون الانتقال الى الخطوة التي تلي انتخابه. لذا تتوسّع الحوارات في قراءة ما يمكن أن تقوم به الحكومة الجديدة، فلا يكون دورها محصوراً بالإنقاذ الاقتصادي والمالي، على أهميته الحالية في ظلّ وضع لبنان الشائك. فالحكومة بالمفهوم المطروح مع رئيس الجمهورية تشكّل السلطة السياسية التي تتوقّع منها الدول المعنية الدخول في الملفات السياسية وليس تسليمها للقوى السياسية وحدها. وبذلك لا تكون مهمّتها مقتصرة على اتجاه واحد، بل تكون سلطة متكاملة قادرة على وضع خطة إنقاذية في الملفات السياسية والمالية على السواء. والنقطة الثانية تتعلّق بدور مجلس النواب لاحقاً في التعامل مع هذه الحكومة وما تقوم به، وهل يمكن أن يكون معرقلاً أو مسهّلا للقوانين التي يتوقّع منه إقرارها. وهذا بند أساسي في الحوارات الجارية.
هذا النقاش ترعاه بلا شك السعودية، ومن ثمّ قطر التي تؤدّي الدور الحيوي المباشر، ولا تبتعد عنه واشنطن، لا بل تبدي تأييداً له. والسعودية، بذلك تكون قد أعادت مرة أخرى تحديد دورها في شأن أيّ تسويات مقترحة أو أسئلة اعتبرت باريس أنها تنقل إجابات عنها. لأن ما تقوله السعودية أن هناك رغبة في تفسير دورها حيال الأزمة، بغير ما هو عليه، حتى بعد الاتفاق مع إيران. وإذا كانت باريس قد حاولت اللعب على حبال علاقاتها مع السعودية في نقل رسائل، هناك حرص سعودي على تكرار نفي أيّ علاقة لها برسائل وتطمينات وأسئلة وأجوبة. والجواب السعودي يكمن في تسوية متكاملة مطروحة على من يريد العمل بها لإنقاذ الوضع اللبناني. ما عدا ذلك، لا يصبّ في مصلحة تسهيل الحل اللبناني، لأن افتراض أن تساهم المقايضات في حل الأزمة أثبت عقمه في السنوات الماضية. وإذا كان المطلوب حلاً متكاملاً يأخذ في الاعتبار وضع حلّ شامل لا مجرد إدارة أزمة، فيجب الخروج من الدائرة المقفلة.
ترفضه الدول الأربع طروحات باريس لحكومة تؤلّف على طريقة الحكومات السابقة
لا شك أن باريس منكفئة عن الاقتناع بهذا الطرح، لكن في المقابل فإنّ حركتها التي تراجعت لمصلحة دور قطر وما يمكن أن تساهم به مجدداً في تقديم أطر جديدة للنقاش، ستكون محكومة من الآن وصاعداً بما ترغب به الدول الأربع الأخرى. في المقابل، يبقى الدور الإيراني متريّثاً في إبداء رأي واضح في المسألة الرئاسية. ومن المبكر بالنسبة الى المطّلعين على الموقف السعودي الحكم على الاتفاق بين الرياض وإيران، وترجمته في لبنان. الدولتان تأخذان وقتاً في ترجمة الاتفاق، ومن الصعب الاقتناع بأن إيران مرتاحة كثيراً الى حجم الانفتاح العربي على سوريا، ومحاولة استعادتها من خلال خطوات متسارعة. وتبعاً لذلك، لا يزال لبنان وسوريا من أوراق إيران القويّة، ومن التسرّع بمكان الاقتناع بأنّ أيّ تسوية لا تلحظ مصالحها في تسوية رئاسية حكومية قابلة للحياة من دون أن تحظى بما يمكن أن يحقّق لها حضوراً متكاملاً في السنوات الست المقبلة، وما بعدها.