في آخر نقطة جنوبية بين الجولان السوري وفلسطين المحتلين، شيّدت زهرة العبدالله منتجعها السياحي بعد عدوان تموز 2006. جمعت مدخراتها وخبراتها وغرستها في أرض ورثتها عن والدها على ضفاف نهر الوزاني. حاول العدو الإسرائيلي منع تشييد المنتجع. احتجوا لدى قيادة «اليونيفيل» لمنع صاحبته من المتابعة. مراراً قطع جنوده النهر ودخلوا إلى حرمه لترهيب العمال.ظنّت العبدالله بأن تحدّي «إسرائيل» سيكون الأصعب، لكنه كان الأسهل. «واجهت أعداء كثراً حاربوني لأني امرأة. منهم من قلّل من قدرتي على إدارة مشروع ضخم. ومنهم من حاول إقناعي بأني أضيّع أموالي. وعندما أصررت على الاستمرار، سرقني الجميع لأني امرأة. ظنوا بأني لا أفهم بالبناء أو بالحفر وإمدادات الكهرباء... حتى الخضرجي واللحام سرقاني». على نحو مسبق، حكم هؤلاء على العبدالله بأنها «اعتدت على الكار. لذا، لا مانع من استغلالها». قدّموا لها فواتير عن تكاليف الأشغال بأسعار مضاعفة باعتبار أنها «امرأة، شو بيفهمها؟!». الحكم نفسه أطلق عليها عندما أسّست شركة لبيع السيراميك المستورد من إسبانيا. شاركت رجلاً لبنانياً وسيدة أجنبية. الشريكتان تعرّضتا للسرقة وانسحبتا من الشراكة.

لا للانتقام
في الوزاني، لا تزال العبدالله صامدة. الهجمة الذكورية عليها، لم تجعلها تثأر من الرجال جميعاً. لم تفكر في توظيف النساء حصراً، كما لم تتعمد توظيف الرجال حصراً «لكلا الجنسين أعمال تليق بهما. أفضل تكليف النساء بالتعامل مع الزبائن في صالة المطعم، كما في إعداد الطعام. في المقابل، أخصّص وظائف الحراسة وتقديم الطعام للرجال». العبدالله منتسبة إلى نقابة أصحاب المطاعم في لبنان. لديها زميلات قليلات في بيروت ومحيطها، لكن لا قرينات لها في الجنوب، لا سيما في منطقتها، كصاحبة مؤسسة سياحية بحجم مؤسستها. تجربتها الخاصة لا تسمح لها بلوم النساء. «المسألة ليست طموحاً بقدر ما هي ظروف مناسبة. أحياناً الأموال وحدها لا تكفي المرأة لتواجه الحروب التدميرية التي تخاض بوجهها». بعد تجارب مؤلمة مع محامين، التزمت العبدالله منذ سنوات طويلة بتوكيل محامية لمتابعة شؤونها. الأخيرة كانت «على قد الحمل. عدا عن شطارتها، فهي مؤتمنة ووفية بخلاف المحامين الذين باعوني لخصومي».

المليون الأول
لم تبدأ العبدلله تجربتها المهنية، كسيدة أعمال. والدها أجبرها على الزواج في سن الخامسة عشرة. «عندما لمس حجم الجريمة التي اقترفها بحقي، ساعدني على الطلاق». عادت لتكمل دراستها، وأنهت السنة الدراسية الأولى في علم النفس. بالتزامن، كانت أول مهنة عملت بها التزيين النسائي. لم تعجب والدها الذي أجبرها على تركها. بعد زواجها ثانية، احتاجت للعمل للمساهمة في الإنفاق على منزلها وأولادها. عملت مندوبة لمصلحة مؤسسة إعلانية. تقرّ بأن شكلها الجميل شجع أصحاب المؤسسة على توظيفها. «خلال عشرين يوماً، تمكنت من توقيع عقود إعلانات بما يزيد على مئة ألف دولار حصلت على نسبة من الأرباح، دفعتها كقسط أول للشقة التي كانت أول ممتلكاتي». طلبت العبدالله الطلاق للمرة الثانية «بسبب التعنيف الذي تعرضت له من زوجي الذي كان يغار بشكل مرضي ويرفض عملي خارج المنزل».
المليون الأول الذي جنته كان من عقار صغير في وسط السوق التجارية في صيدا

الثالثة كانت ثابتة معها. تزوجت أخيراً من فرنسي من أصل لبناني. «وجدت معه الفرق من السماء للأرض وأدركت بأن الرجل يتصرف تجاه المرأة، بحسب تنشئته». لم يكتف زوجها بجمالها الخارجي أو بأمومتها لطفلتيه. لما بلغت الثلاثين، أجبرها على تحدي المليون. «عندما بلغت الثلاثين، كنت قد جنيت أول مليون دولار في حياتي. أنت ماذا لديك؟» سألها. المليون الأول الذي جنته، كان من عقار صغير في وسط السوق التجارية في صيدا. كان في الأساس منزلاً قديماً متصدّعاً يقع على مساحة حوالي 220 متراً. اشترته من الورثة ورمّمت المنزل ومحيطه وحولته إلى «بوتيك» للألبسة النسائية وارتفع سعر العقار إلى ما يزيد على المليون دولار.
تقول العبدالله إنها ليست متأكدة ما إذا كانت ستصبح سيدة أعمال في حال لم تحظ بدعم زوجها الفرنسي، الذي توفي قبل أن تنشئ منتجعها السياحي. وحده من شجعها على تحقيق ذاتها مهنياً. «قبله وبسبب اهتمامي بشكلي الخارجي وأناقتي وطموحي العملي، عانيت من الحكم المسبق من كثيرين. منهم من اتهمني بأني استخدم جمالي لأصل ومنهم من استخف بقدراتي العقلية».