بعد أسبوع على تعليق عملهم، يُعرض الموظفون التسعة في شركة غلاييني (عمال الساحة)، التابعة لشركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية في مطار بيروت الدولي (MEAG)، بعد ظهر اليوم على لجنة تحقيق، بتهمة تحريض زملائهم على الإضراب والمطالبة بتحسين رواتبهم وتقاضي جزء منها بالدولار الأميركي. لكن، مثلما أدرك موظفو غلاييني أن أمن الطائرة ورفاهية الركاب يسبقان أمنهم ورخاءهم، يدركون من جديد أنه «لا يهمّ أن يسحب موظف طعاماً لعائلته من قمامة الطائرة، المهم أن يؤدي عمله على أكمل وجه ومن دون تأخير الركاب».
رواتب زهيدة واستنسابية
منذ نحو أربعة أشهر، يطالب موظفو شركة غلاييني، المعروفون بعمّال الساحة، بتصحيح أجورهم المتآكلة والحصول على رواتب دولارية، كما تربح الشركة من ركابها وأسوة بباقي الموظفين في المطار مثل موظفي غلاييني LAT وموظفي شركة MEAZ، لكن مطالبهم كانت ترفض «والحجة أن عقدنا بالليرة واللي مش عاجبو يفلّ»، كما سمعوا مراراً من المسؤول عن الموظفين ومن مديري الساحة.
تراوح رواتب الموظفين بين الأربعة والخمسة ملايين ليرة، تشمل بدلات النقل. واطلعت «الأخبار» على فاتورة راتب موظف في الأشهر الأخيرة من السنة، لتتأكد أن أساس الراتب هو مليونان و925 ألف ليرة، ويساوي بدل النقل مليوناً و805 آلاف ليرة، ليحصل الموظف مع التعويض على 4 ملايين و889 ألف ليرة، وهي مخصصات بالكاد تكفي للوصول إلى العمل. تضاف إلى الراتب مخصصات دولارية تبلغ 4 دولارات عن يوم العمل من الاثنين إلى الخميس و6 دولارات من الجمعة إلى الأحد، لا تزيد شهرياً عن 130 دولاراً. «نأخذها بالليرة اللبنانية، وعلى سعر صرف لا يوزاي قيمته في السوق السوداء. فإذا كان الدولار 80 ألفاً نحصل عليه على سعر صرف 60. والأصعب من ذلك أنه كل يوم عطلة ولو مرضية مرفقة بتقرير طبي، وأي تأخير ولو ساعة عن الدوام (8 ساعات)، يؤدي إلى خسارة كلّ المخصصات الدولارية. لذلك خلال فترة كورونا، لم يتجرأ أحد على الإعلان عن إصابته»، كما ينقل أحد الموظفين.

عندما انفجر العمال
تحمّل الموظفون الظلم والتمييز وتدني الرواتب وسط «تطنيش الإدارة»، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي استدانة موظف من زميله 200 ألف ليرة أجرة طريق ليصل إلى عمله، ورؤية آخر يلمّ من تحت سلّم المطار بقايا أطعمة الركاب لأخذها لعائلته في مشهد قاسٍ تناقله الموظفون في ما بينهم، فانفجر غضبهم. نفّذوا وقفة احتجاجية صبيحة الجمعة 17 شباط الجاري من الساعة الخامسة والنصف حتى السادسة، قبل أن يحين وقت الإقلاع. «كانت هذه الوقفة تحذيرية، عرفنا بعدها أن هناك 80 دولاراً زيادة على الراتب لم تُصرف منذ شهرين. ثم وصلنا ما يأتي: الحوت ما بينلوي ذراعو وانسوا الـ 80$».
بعد ثلاثة أيام على الوقفة، سدّد تسعة موظفين ضريبة رفض الظلم والمطالبة بحقوقهم، إذ سُحبت منهم بطاقات العبور إلى المطار، وعلّق عملهم، علماً أن التسعة هم من بين 17 موظفاً سُجّلت أسماؤهم في الإدارة على أنهم يحرّضون على الإضراب، فلماذا أخذ جهاز الأمن بطاقات العبور من 9 موظفين وتركها مع البقية؟ يتساءل الموظفون عن هذه الاستنسابية: «هل من أجل التفرقة في ما بينهم؟ أو لأنهم مدعومون؟ أو ربما كي لا يظهر النقص في الموظفين؟ وكيف حددت الإدارة أسماء الـ 17 أصلاً، وبينهم موظف لم يكن يوم الوقفة؟».
انتفض العمّال بعدما رأوا زميلهم يلمّ بقايا أطعمة الركاب لأخذها لعائلته


لجنة تحقيق
تُرك الموظفون التسعة في حيرة من أمرهم أسبوعاً كاملاً خارج عملهم، قبل أن تحيلهم الإدارة إلى لجنة تحقيق تعقد اليوم، يستاؤون منها فـ«نحن من ظُلِمنا وخسرنا مخصصاتنا الدولارية نتيجة التعليق القسري لعملنا». وسيعرض بقية الموظفين الـ 17 في مرحلة لاحقة على لجنة التحقيق ذاتها.
هذا الإجراء التأديبي هدفه «أخذ الإجراء المناسب بحق من توقف فجأة عن عمله وعرقل عملية الطيران. صحيح أن وقفتهم استبقت فترة الإقلاع، لكنها حصلت في وقت التحضير للإقلاع، والأجهزة الأمنية على الأرض هي من لحظت التحرك ومن حرّض عليه فحُدّدت الأسماء»، على حد قول مدير الشركة رافي غلاييني، ابن صاحبها كمال غلاييني، الذي يسأل: «ما ذنب الركاب ليتأخروا»؟ من دون أن يلحظ في حديث مع «الأخبار» ما ذنب الموظف ليتحمل كل ما يتحمله «عالسكت».

«كربجونا عندما أضربوا»
المدير العام لشركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية في مطار بيروت الدولي (MEAG) ريتشارد مجاعص هو الآخر كلّ همه استمرار العمل، «لن نجعل المطار يتوقف بالهبل، لدينا 750 موظفاً لن نتوقف عند 20»، كما قال حرفياً لـ«الأخبار». وشكا كيف «كربجونا» عندما توقف العمال فجأة عن عملهم، فصدرت الأوامر بحق 17 موظفاً «وصلتنا أخبار عن نواياهم لإيذاء الشركة، والتخطيط والتحريض على الإضراب».
لكن، ماذا عن مطالب الموظفين المحقة؟ «الإدارة لم تتركهم، وتعطيهم 25 مليون ليرة شهرياً (كما احتسب هو راتبهم الثابت مع مخصصاتهم بالدولار)، قد يكونون تحركوا لأن الدولار قفز بسرعة لكن قد يحصلون على العملة الخضراء، يطوّلوا بالهم». ويبرّر مجاعص حسم المخصصات الدولارية عند التغيّب وفق آلية معينة «لنحفز الموظف على المجيء إلى العمل بما فيه مصلحة للعمل، وهذا يطبق في كل طيران الشرق الأوسط».

قلوب «مليانة»
أبعد من الحصول على رواتب متدنّية على مدار 3 سنوات والشعور بالظلم، «قلوب الموظفين مليانة على إدارة الشركة». ما يقارب الـ 430 موظفاً خلال الدوامات الثلاثة يعملون بلا سقف يحميهم من المطر والشمس، يفتحون الطائرة ويقفلونها، يستنشقون غازات العوادم السامة التي تخرج منها وروائح الفيول، و«ما نلبسه لحماية الأرجل ليس آمناً كما يدّعون، همّهم ليس أمننا نحن، بل أمن الطائرة وركابها». يحصلون على قميصين وبنطال و«إذا حضرنا من دونه يعيدوننا كالأطفال إلى المنزل علماً أنه أحيانا لا يكون هناك كهرباء لكيّ القميص»… وعقوبة: «رجاع عالبيت»، كما ذكرنا تعني أن «الحضور طار وطار معه الدولار».
الإكرامية بقيمة 150 دولاراً التي أعطاها رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت لجميع الموظفين، لم يحصل عليها أكثر من 300 موظف في شركة غلاييني. لا أحد يستمع إلى شكوى الموظفين، «بل يهددوننا بتغيير دواماتنا علماً أننا نجمع بعضنا البعض ونتقاسم ثمن صفيحة البنزين». أكثر من ذلك، يؤكد أكثر من موظف في الشركة أنه إذا لم تشاهد الإدارة دماً على الأرض لا تسعف موظفاً مصاباً، «أكثر من مرة أصيب موظفون بسكتة قلبية ولم يُستدعَ الصليب الأحمر أو الإسعاف لأنهم لم يروا دماً على الأرض».