وجدت سيارة الجنود الإيرلنديين التي «أضاعت» الطريق ثلاثة رجال يقطعون عليها الطريق؛ لم يجب التحقيق لماذا لم يترجلوا من السيارة ليشرحوا لهؤلاء أنهم أضاعوا الطريق ويريدون مساعدتهم للعودة إلى الطريق العام؟ لاحقاً في ظل المطاردة المزعومة صادفوا جمعاً كبيراً من المواطنين يخرجون من مقهى عقب انتهاء مباراة في كرة القدم في كأس العالم؛ لماذا لم يتوقفوا وسط هؤلاء وينزلوا من سيارتهم ويخففوا الاحتقان الحاصل؟ هذه أيضاً لم يسأل تحقيق اليونيفيل عنها أو يتوقف عندها؟ يتحدث التحقيق عن خروج السيارتين باتجاه مطار بيروت لإيصال جنديين مسافرين إلى بلادهما، لكن يؤتى على ذكر تفاصيل كثيرة في هذا التحقيق الطويل من دون أية إشارة إلى حقائب السفر الخاصة بهؤلاء.

أيضاً في الصور المرفقة، لا تظهر الحقائب. يشير تحقيق اليونيفيل نفسه إلى مطالبة من أوقفوا السيارة ركابها بالنزول منها، وقد كان عدد المدنيين كبيراً جداً بحكم حصول هذا كله بجوار مقهى يعرض مباريات كرة القدم وقد كانت المباراة بين فرنسا والمغرب يومها؛ لكن مرة أخرى لا يشرح أحد لماذا لم ينزلوا من السيارة؟ يقول التحقيق إن المدنيين كانوا يحيطون بسيارة اليونيفيل من جميع الجهات، ومع ذلك أمر قائد المجموعة سائقها بالانطلاق بأكبر سرعة ممكنة، وهو حين انطلق صدم إحدى السيارات. هنا، لو لم ينطلق بهذه الطريقة، هل كان من أطلق النار على السيارة ليطلق النار؟ كان أمامه أكثر من فرصة سابقة لكنه لم يفعل إلا بعد محاولة سيارة اليونيفيل «الفرار». لماذا يفترض بسيارة يونيفيل «الفرار» من أساسه. هنا قطبة مخفية أخرى؛ أطلق مجهول الرصاص من مسدسه على السيارة بعد تحركها، أصيب سائق السيارة بأربع رصاصات أو شظايا رصاص برأسه من الخلف، لكنه واصل القيادة مع نزيف في الرأس نحو 800 متر؛ نزيف في الرأس ودولاب مثقوب ورعب حقيقيّ، ثم اصطدم في الجدار؛ هل كان على قيد الحياة حين حصل الاصطدام؟ يقول تحقيق اليونيفيل: سبب الوفاة هو الإصابة في الرأس، لا حادث السير. الاصطدام سبق الوفاة أو تبعه؟ لا جواب. الوفاة نتيجة الرصاص، الرصاص نتيجة تنفيذ السائق أوامر مرؤوسه الانطلاق بأكبر سرعة ممكنة معرضاً أرواح مدنيين معظمهم كانوا يشاهدون مباراة لكرة القدم كما يقول تحقيق اليونيفيل نفسه؛ لكن بينت التحقيقات أن ما من إهمال أو قرارات خاطئة من جهة اليونيفيل؛ قرار الفرار بدل التعريف عن النفس والتعامل بندية هو قرار صائب إذاً. مواجهة إقفال الطريق عبر فتحها بالقوة هو قرار صائب أيضاً. تعريض قائد السيارة الثانية حياة مواطنين لبنانيين وجنوداً في سيارته للخطر لا يستوجب التوقف عنده كما يبين التحقيق. يبدو هذا كله مربكاً فعلاً، ويزداد الإرباك عند الوصول إلى رواية السيارة الثانية؛ كل ما صادفته السيارة الثانية كان سيارة أخرى تعمل على تصويرهم: لماذا أصيبوا بالرعب، وتركوا سيارتهم بجانب الطريق، وهرعوا يهيمون في الحقول بذعر، بدل أن يعرفوا عن أنفسهم ويتعاملوا بندية مع من يراقبهم أو يطاردهم؟ إنهم قوات أممية «مهمتها حفظ السلام» يفاخرون دائماً بعلاقاتهم الطيبة بأهالي الجنوب؛ كيف يعقل أن يتركوا سيارتهم بجانب الطرقات ويهيموا في الحقول، مرعوبين من صوت دراجة نارية من هنا وكاميرا تصورهم من هناك؟ لماذا هذا الإرباك كله، لا يجيب التحقيق أو يسأل حتى.
ثغر فوق ثغر: كيف يمكن التصديق أن أربعة جنود إيرلنديين، لا يملك أي منهم، رقم هاتف لواحد أقله من الجنود الإيرلنديين الأربعة الآخرين في السيارة الثانية؟ لماذا لا يوصل اتصال لاسلكي بين هذه السيارات العسكرية بامتياز؟ وما هي وظيفة الأجهزة اللاسلكية التي تظهرها صور الحادثة؟ كيف يمكن التصديق أنه عند الساعة العاشرة ليلاً لم تلاحظ السيارة الأولى أن السيارة الثانية لم تعد خلفها، حتى بعد انقضاء أكثر من عشر دقائق؟ كيف يمكن التصديق أن جنوداً يتنقلون بسياراتهم منذ أكثر من خمسة عشر عاماً طوال النهار والليل ما زالوا لا يعرفون مفارق الطرق ويخطئون تقاطعات أساسية؟ كيف يمكن التصديق أن سائق السيارة الثانية أضاع المفتاح الإلكتروني للسيارة فتوقفت عن العمل ثم دارت مجدداً من دون المفتاح؟
تخيلوا هذا كله بساعة واحدة: أضاعت سيارة سيارة أخرى، وأضاعت سيارة مفتاح السيارة لكنها استمرت في العمل، ولم يجد أربعة جنود وسيلة سريعة للاتصال بأربعة جنود آخرين من الوحدة نفسها، وأضاعت سيارة الطريق الرئيسي الذي تسلكه يومياً عشرات المرات، إلى ما لا نهاية من الصدف. كيف يمكن التصديق أن هذا كله كان يحصل على مرمى حجر من عشرات النقاط الخاصة باليونيفيل، وقد استغرق حصوله أكثر من ساعة، ولم يتم الاستنجاد بالقوة المركزية لليونيفيل من أجل التدخل سواء مع الجيش أو مع حزب الله، في ظل خطوط الاتصال المباشرة السريعة؟ وكيف في النهاية يمكن بناء تحقيق على شهادة الجنود في اليونيفيل فقط، ما يحوله من «تحقيق مفترض» إلى رواية اليونيفيل عن الواقعة.