خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله في أعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، لا يغادر الوعي الجمعي للإسرائيليين، جمهوراً وقادة ونخباً، وفي المقدمة، أصحاب القرار الأمني في تل أبيب.تبين أن الخطاب الذي وصف في حينه بخطاب «بيت العنكبوت»، ينمو ويتعاظم، إذ إنه كشف مسبقاً وقبل 23 عاماً، هشاشة المجتمع الإسرائيلي المقسم إلى مجتمعات فرعية، لديها من التنافر والتجاذب أكثر مما لديها لتتحد خلفه، وهو ما يجري إثباته حالياً في الأسابيع الأخيرة، في شوارع تل أبيب والقدس المحتلة، على خلفية الانقسام السياسي والاجتماعي، الذي لا يجد حداً أو أفقاً له.
اللافت أنه بعد أيام على تجهيل الإسرائيليين لخطاب نصرالله في ذكرى القادة الشهداء، عادت وسائل الإعلام العبرية أمس لتركز على هذا الخطاب، ولتعيد إنتاجه ضمن مقاربة ترتبط بالأزمة الداخلية في إسرائيل، وما تسببه من توسيع الهوة بين فئات الإسرائيليين. اللافت كذلك، هو تسمية خطاب القادة الشهداء بخطاب «بيت العنكبوت- 2».
في عام 2000، تعامل الجيش الإسرائيلي وأركانه العامة، ولا مبالغة في ذلك أبداً، مع بيت العنكبوت الأول على أنه تهديد في ذاته، في مستويين اثنين: إنه يكشف هشاشة الجمهور الإسرائيلي في مستوى أول، وأنه يتيح للعدو أن يبني مقاومته وربما أيضاً مبادرته، وفقاً لهذه الهشاشة. وكان انشغال القادة الأمنيين في تل أبيب، منصباً على كيفية مواجهة الخطاب، الذي أطلقوا عليه «نظرية بيت العنكبوت» لنصرالله.
كتب وقيل الكثير عن النظرية، التي وجدت تعبيراتها العملية وتظهير مدى حفرها في وعي أركان الجيش الإسرائيلي، عبر سلوكيات كان هدفها الوحيد، هو تغيير اعتقاد الطرف الآخر، حزب الله، أن إسرائيل ليست بيت العنكبوت، وأن ضعفها غير موجود، وأنها لا ترتدع، وهي تنتصر دائماً في أي حرب أو مواجهة تقودها أو تكون رداً على مبادرة الآخرين. هذا ما تجلى بشكل كبير في معركة بنت جبيل عام 2006، وخطة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس المسماة خطاب «بيت الفولاذ»، بعد أن فشل الجيش الإسرائيلي في تنفيذها، نتيجة ضراوة مقاومة حزب الله في المدينة.
بالأمس، سلكت نظرية بيت العنكبوت-2 طريقها على لسان قادة إسرائيل وإعلامها، وليس صدفة أنها جاءت بالحرف، في عدد من التعليقات.
وإذا كان إنكار إسرائيل هشاشة مجتمعها المكون من «قبائل» كما يرد في التعبيرات العبرية، متاحاً في عام 2000، كون الأزمات الداخلية غير ظاهرة وغير مفعلة، إلا أن إنكار الهشاشة الداخلية عام 2023، بخاصة في ظل التعبير العملي المباشر في شوارع المدن الإسرائيلية عن الانقسام والهشاشة، هي مهمة شبه مستحيلة.
صحيفة «هآرتس» التي وصفت أمس، أيضاً خطاب القادة الشهداء بخطاب «بيت العنكبوت-2»، كان تركيزها الأساسي على إفهام الإسرائيليين أن أمين عام حزب الله «يشخّص ضعفاً داخلياً في إسرائيل، على خلفية الأزمة التشريعية والسياسية الواسعة، ولذلك بدأ بالتهديد»، لتسأل نفسها والإسرائيليين، قادة وجمهوراً، إن كان سيعقب التهديد حراك ميداني، إذ إن «خطوات على الأرض رافقت وسبقت الخطاب، ومن بينها «تهريب» منظومات دفاع جوي إيرانية إلى لبنان، من شأنها أن تقوض التفوق الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي، إضافة إلى نشر عشرات نقاط الرصد لحزب الله على طول الحدود مع لبنان».
بدورها، تطرقت صحيفة «معاريف» لخطاب نصرالله، الذي قالت إنه «انقضّ» على الأزمة العميقة التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، إلى أنه إحياء لنظرية «بيت العنكبوت» لعام 2000، إذ إنه «يهدد الإجماع الضروري للخدمة في الجيش الإسرائيلي، عبر تعرية التضامن بين غالبية المجموعات السكانية في إسرائيل، في أي مواجهات عسكرية مستقبلية».