عادة ما تدفع الهرمل وسائر مدن الأطراف أثماناً مضاعفة لأيّ أزمة حاصلة، فهي غير مجهزة بأيّ من الإمكانات لمنع حدوثها. وقد أثّرت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير على القطاع الطبي في الهرمل، المتآكل أساساً، ما جعلت الحديث عن مشكلة الـ127 سريراً في أربعة مستشفيات لمعالجة مواطني الهرمل وضواحيها، وبلدتي القاع وراس بعلبك، أمراً «يسيراً» يمكن تجاوزه أمام الخطر الذي ألمّ بالكادر الطبي على صعيد القوى العاملة المتخصصة. إلى نقص عدد الاسرّة، تبرز اليوم مشكلة «تسرّب الأطباء»، التي يعبّر عنها المواطنون بعفوية «الله يردّلنا الدكتور عتيبة بالخير، إنساني ومحترم نستاهله أكثر من الأجانب» يقول علي ناصر الدين أحد سكان الهرمل. «التسربّ» ليس خارجياً فحسب، بل محلّي أيضاً. ففيما يكشف المدير الفني في مستشفى البتول، كمال جعفر عن هجرة ثلاثة أطباء من المستشفى، يشير إلى قرار 5 أطباء آخرين البقاء في مناطقهم على المجيء إلى الهرمل «لأسباب تتعلق بالمسافة وكلفة النقل».
خسارة ثمانية أطباء مؤشر خطير إلى ما أصبح عليه الواقع الصحي لمنطقة تعاني أساساً من نقص في عدد الأطباء والاختصاصات المتوفرة على حد سواء. يؤكد الحاج علي شاهين، مدير مستشفى البتول، أنّ المنطقة تعاني من نقص حاد في الأطباء ضمن الاختصاص الواحد «لا يوجد إلا اختصاصي واحد لجراحة الأعصاب في كلّ القضاء، وطبيبان مختصان في أمراض القلب والشرايين، وطبيب واحد للأمراض الرئوية، إلخ.». أما عن الاختصاصات غير المتوفرة أصلاً، فيجمع كلّ من شاهين وجعفر على النقص الحاد في الكثير منها بالإضافة الى صعوبة تأمينها «وخصوصاً أن تجارب الاستقطاب التي أجريت سابقاً كانت بمعظمها فاشلة».
هجرة الأطباء محلية أيضاً إذ يشكّل بعد المسافة عائقاً دون الوصول إلى المنطقة

بدوره، يعدّد الدكتور أحمد صقر، طبيب طوارئ في مستشفيات المنطقة، الاختصاصات المفقودة، لافتاً إلى أن «مستشفيات المنطقة قادرة على معالجة الحالات العامة، لكنها تفتقد القدرة لمجاراة الحالات الحرجة».
لا تقف الأزمة الصحية في الهرمل عند هذا الحد، فالمتأثّر أولاً وأخيراً هم أبناء المنطقة الذين باتوا يؤجّلون زيارة الطبيب والمستشفيات، هاربين نحو معاينات صيدلية ووصفات منزلية لعدم القدرة على تحمل الكلفة المترتبة على عاتقهم. يقول صقر «هذا ما يفتح أبواب أزمة جديدة بحيث يصلنا المرضى في حالات حرجة بسبب سلوك مماثل»، مشيراً إلى استمرار الإقبال على مستشفى البتول التابع للهيئة الصحية الإسلامية، لأنه بحسب شاهين يحظى بدعم حزب الله عبر مكتب خدماته الاجتماعية، ما يساهم بشكل ملحوظ في خفض الكلفة عن كاهل أبناء المنطقة.
يلخّص جعفر الواقع بالقول «هناك من يموت ضحية، فيقال مات فرق عملة. في الهرمل، مات العديد من الحالات فرق اختصاص، أو فرق المسافة، أو فرق الأزمة الاقتصادية...».