إنّها الساعة الخامسة تقريباً. الكثير من عمّال معمل «كونكورد» المُخصّص لتصنيع الأدوات الكهربائيّة في حارة النّاعمة كانوا يهمّون بالخروج من المعمل بسبب انتهاء دوام عملهم. بعضهم استمرّ في توضيب أغراضه من دون أن ينتبه لرائحة الحريق المنبعثة من المبنى، فيما توجّه البعض الآخر إلى الطابق الخامس حيث مركز الحريق، ومنهم من استلّ الإطفائيات الصغيرة محاولاً إخماد الحريق، «ولكننا لم نتمكّن من ذلك، إذ إنّ البودرة الناتجة من عمليّة الإخماد أدّت إلى اختناق بعضنا وحجب الرؤية لدينا. لذلك هربنا إلى الطوابق السفليّة ليبدأ الحريق بالامتداد نحو الجانب الشرقي من الطابق الذي تتجاوز مساحته الـ6 آلاف متر مربع، ويمتلئ بالمواد القابلة للاشتعال من بلاستيك واسفنج وكابلات كهربائية...»، بحسب ما يقول أحد العمّال.
(الأخبار)

الهاربون كانوا من الذين يعملون في الطوابق السفليّة. أمّا من يعمل في الطوابق العلوية، فقد علق بعضهم بين الطوابق، فيما تمكن آخرون من الهرب إلى السطح. هناك، اجتمع أكثر من 25 عاملاً لأكثر من ساعتين حتّى تمكّن عناصر الدفاع المدني من إنزالهم على دفعات، إلا أن أحد العُمّال من الجنسيّة الباكستانيّة، محمّد خ.، والذي علق في الطابق السادس لم يسمع الأصوات التي طالبته بالنزول سريعاً. وعندما علم بالحريق كان الأوان قد فات، إذ إنّه تعرّض للحروق قبل أن يختنق من جراء الروائح. ولذلك، كانت عمليّة إخراجه من المبنى صعبة على المسعفين، ولم يصل إلى مستشفى سبلين إلّا جثة هامدة.
الشاب السوري عبد الله كان حظّه أوفر، إذ نجح في التقاط الحبل الذي رماه عناصر الدّفاع المدني إلى الطابق السادس، وتشبّث به قبل أن تفلت إحدى يديه ليعود من جديد إلى مكان الحريق، فما كان من المسعفين إلّا أن صعدوا عبر السلالم الحديدية لإخراجه، وجرى نقله إلى أحد المستشفيات. وفيما تردّد أنّه فارق الحياة، أشار متابعون إلى أنّه ما زال حياً، لكن وضعه الصحي غير مستقر. كما نُقل العديد من العُمال إلى المستشفيات المُحيطة بسبب حالات الإغماء والاختناق.

احتكاك كهربائي
لم يعرف المعنيون السبب الذي أدى إلى اندلاع الحريق، وخصوصاً أن عمليّات التبريد تواصلت حتى ساعاتٍ متأخرة من ليل أمس، إلا أن البعض رجّح فرضيّة الاحتكاك الكهربائي، مستبعدين أن يكون الحريق مفتعلاً، وخصوصاً أنّ أصحاب المعمل من آل الحافظ موجودون في المنطقة منذ نحو 40 عاماً، ويُعرف عنهم تقديمهم المساعدات الشهرية للعديد من الأهالي، بالإضافة إلى مساهمتهم في بناء مسجد حارة الناعمة وتقديمهم الهبات المتنوّعة. ويعدّ المعمل من أكبر معامل المنطقة، ويؤمن الكثير من فرص العمل للأهالي ولآلاف العمّال الأجانب.
ألسنة اللهب السوداء التي خرجت من المعمل نشرت الذعر لدى أهالي المنطقة. ما زاد الطين بلّة هو حديث وزير البيئة ناصر ياسين والمسؤولين عن احتواء المبنى على مواد كيميائيّة ليقوم بعض السكّان بإخلاء المناطق المُحاذية.

منع امتداد الحريق
يروي البعض أنّ الإهمال لدى فرق الإطفائيات، باستثناء فوج إطفاء الدامور الذي كان أوّل الواصلين، وإطفاء الدبيّة، هو الذي زاد الأمور سوءاً، وخصوصاً أن بعضهم تذرّع بأن لا إمكانيّة لإطفاء الحريق بسبب صعوبة وصول الخراطيم إلى الطوابق العليا. ويشير الإطفائي نزار فخر الدين إلى أنّ «الأمر كان صعباً. وعمليّة الإخماد والتبريد مستمرّة منذ 24 ساعة بسبب كثافة النيران ووجود مواد سريعة الاشتعال. صحيح أنّنا لم نتمكّن من إخماد الحريق في الساعات الأولى، لكن عملياتنا ساهمت في عدم امتداده إلى المعمل الثاني التابع لـ«كونكورد»، وخصوصاً بعد تهدّم طابقين من المبنى وسماعنا دويّ انفجارات في الداخل ناجمة عن اشتعال بعض المواد، ما جعلنا نبتعد عن المكان».
لم يسمع العامل الباكستاني الأصوات التي طالبته بالنزول سريعاً


ويلفت بعض العمّال إلى «أنّنا كنا نطفئ الحريق بما تيسّر لنا، وقد ساعدنا بعض أبناء حارة النّاعمة، حتى بعض العمّال الذين كانوا خارج دوام عملهم انضمّوا إلى عمليات الإغاثة». يقول أحدهم وهو من أبناء المنطقة إنّه «يعزّ علينا أنّ نرى المعمل يحترق، إذ إننا نعتبره ملكنا، بسبب الأيادي البيض لأصحابه على المنطقة وتوظيف الكثير منّا فيه».