تمرّ في هذه الأيام الذكرى العاشرة لاستشهاد أبرز روّاد إعمار لبنان بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006 الشهيد المهندس حسام خوش نويس. ومنطقتنا أصيبت -خاصة سوريا وتركيا- بزلزال مدمّر بشكل كبير، ولبنان الذي عاش مخاوف وآثار الزلزال، يعاني من حصار وضغوط اقتصادية وسياسية تريد النيل من قوّته وعزّته وحريّته من خلال كسر إرادة المقاومة وجمهوشرها، تماماً كما كانت أهداف عدوان عام 2006.وغنيّ عن القول الأداء المميّز والإبداع اللذان قام بهما الشهيد. حيث إنه ومنذ لحظة توقف العدوان، سارع نائب رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران بالقيام بزيارة رسمية للبنان، أعلن فيها إنشاء هيئة للمساعدة في إعادة إعمار لبنان برئاسة الشهيد المهندس حسام خوش نويس الذي يمتلك خبرة طويلة في إعادة بناء المناطق المهدّمة أو المتضرّرة من الحروب في أكثر من محافظة إيرانية وفي أفغانستان التي تعرضت لحروب عديدة وكبيرة.
لقد بدأ الشهيد، الذي عُرف بحبّه الكبير للبنان وشعبه، العمل منذ لحظة تكليفه بالمهمة الجسيمة، بجولات ميدانية على رأس لجنة من المعاونين والمساعدين والخبراء على كامل مساحات الوطن المتضررة من العدوان دون تمييز بين منطقة وأخرى، وبين طائفة وأخرى، وبين موال سياسياً أو غيره.
من الضاحية الجنوبية إلى بيروت وجبل لبنان وإلى الجنوب والبقاع، بدأ الشهيد خوش نويس فوراً تلزيم الدراسات والتنفيذ لعمليات إعادة الإعمار، وفي ذلك تميّز بميّزات عديدة كانت علامة فارقة تظهر مدى إخلاصه وحبّه للبنان وشعبه من جهة، وهمّته وتواضعه وكفاءته العالية في العمل من جهة أخرى ومنها:
1. الحضور الدائم في الميدان: منذ الصباح الباكر حتى وقت متأخر من المساء، كان يشرف بشكل شخصي ومباشر لضمان أعلى جودة ممكنة من جهة، وكان يحب أن يشارك ويعيش مع الناس على الأرض آلامهم وأفراحهم من جهة أخرى.
2. المباشرة الفورية في إزالة آثار العدوان وتلزيم المشاريع والتنفيذ: لم ينتظر أشهراً لاستكمال الدراسات، بل كان يزاوج بين بدء الدراسة ومتابعتها والبدء بالتنفيذ في أسلوب مبدع وجديد ومناسب.
3. اعتماد أعلى المعايير العلمية في التنفيذ. فقد استورد أحدث المعدات لبناء مجابل الباطون والزفت لزوم استصلاح وبناء الطرقات التي ما زالت - حتى بعد مرور عشر سنوات - صامدة بشكل كبير ودالّ على جودة عالية في التنفيذ.
4. الاستفادة من الشركات والخبرات المحليّة في كل منطقة، وفي ذلك إشراك لأوسع شريحة ممكنة في العمل وإشعارهم بأنهم شركاء في إعادة إعمار ما هدّمه العدوان، مع مواكبة وإشراف ميداني مباشرة لضمان جودة عالية في التنفيذ.
هذه الروحية التي امتلكها الشهيد، وهذا الأداء المميز والسريع والمنفتح على كل اللبنانيين، هما ما نحتاج إليهما اليوم لمواجهة التحديات والضغوط القائمة، لكن هذا يحتاج أيضاً إلى قيادة سياسية جريئة تأخذ القرار المنتظر من اللبنانيين بقبول المساعدات والمشاريع من كل أصدقاء لبنان، والراغبين في دعمه ومساعدته وانتشاله من حالة الانحدار وفقدان مقوّمات الحد الأدنى لحياة كريمة.
إن أكثر ما يحتاج إليه اللبنانيون اليوم هو الطاقة، فتوفّر الكهرباء يخفّف كثيراً من فواتير حياتيّة أضحت تشمل كل المجالات. كذلك يحتاج اللبنانيون إلى إيجاد فرص عمل، وإلى التعجيل في استخراج الغاز والنفط وإلى العديد من المشاريع. ولقد عرضت الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا تقديم هبة مجانية من النفط لزوم تأمين الكهرباء للبنانيين، لكن مع الأسف حتى هذه اللحظة، لم تجرؤ الحكومة على قبول هذه الهبة المقدّمة دون مقابل. وكذلك، عرضت الصين وروسيا وإيران إقامة مشاريع في أكثر من مجال، من مصانع توليد كهرباء حديثة، إلى محطات تكرير الغاز والنفط، إلى مشاريع لإنشاء بنى تحتية تخفّف من كلفة النقل وتوفّر الوقت والجهد على اللبنانيين.
وكذلك لم تجرؤ الحكومة على تجاوز الفيتو الأميركي والموافقة على مشاريع يحتاج إليها اللبنانيون، بل هم اليوم بأمسّ الحاجة إليها لما توفّره من فرص عمل ومقوّمات حياة دون أن تتكلف الحكومة بشكل مباشر أي تكاليف.
في الذكرى العاشرة لشهادة رئيس الهيئة الإيرانية لإعمار لبنان الشهيد المهندس حسام خوش نويس نقول: صحيح أن لبنان اليوم هو بأمسّ الحاجة إلى رجال كبار محبين ومبدعين ومميزين كالشهيد، حيث آثاره وأعماله ما زالت قائمة وثابتة وشاهدة على هذا التميّز والحب والإبداع. لكنّ الصحيح أيضاً أن لبنان بحاجة أيضاً إلى رجالات دولة تمتلك الجرأة لتقول لا للفيتو والحصار الأميركيَّيْن، ونعم للبنان واللبنانيين. فمصلحة اللبنانيين اليوم هي، وبعد انتظار سنوات من الوعود الأميركية الكاذبة، وتَفرُّج من يدّعون أنهم أصدقاء للبنان: مصلحة اللبنانيين هي قبول الهبات والمشاريع الصادقة التي تساهم في إنقاذهم من أي باب أتت.
فهل سيفعلها السياسيون؟

* نائب نقيب المهندسين سابقاً