سامي الجميل رئيساً لحزب الكتائب لولاية ثالثة ومفتوحة. ليس في ذلك ما يستدعي أن يكون خبراً، في غياب أي منافس فعلي له على المنصب. غير أن الجديد هو قرار «فتى الكتائب» بالانقلاب على كل شعارات المرحلة الماضية حول الطلاق مع «المنظومة» التي تسبّبت بالانهيار، وإعادة غربلتها المنظومة بين «قوى سيادية ضد حزب الله» وقوى «مطبّعة» مع الحزب يفترض مواجهتها. وفي هذا السياق، يعمل على إعادة نسج تحالفاته، بدءاً من الحزب التقدمي الاشتراكي، وصولاً إلى معراب التي يعمل، بحسب المعلومات، على لحم الجرّة معها، ولو أن تحالفهما سيكون «على القطعة» وبحسب الظرف والقضية
أكمل النائب سامي الجميل سنواته الثماني رئيساً لحزب الكتائب بعد أن تسلّمه من والده أمين الجميل الذي تسلّمه بدوره من والده هو الآخر، ويتحضر لأربعة أعوام (قابلة لأن تمدّد أكثر من مرة) بعد إعادة انتخابه أمس، في المؤتمر الـ32 للحزب، بـ357 صوتاً من 386. «المنافسة» التي اقتضاها «البرستيج» الديموقراطي، كان طرفها الآخر مهندس مغمور يدعى عبدو كحالة، ونال فيها 22 صوتاً يُعتقد أنها «جُيّرت» إليه من الجميل نفسه.
المؤتمر الذي انعقد على مدى ثلاثة أيام، تحوّل في اليوم الأخير إلى هيئة ناخبة لانتخاب نائبي الرئيس وأعضاء المكتب السياسي، مجلس الشرف ولجنة الرقابة المالية. لكن، المحطة الأهم كانت في اليوم الأول الذي حدّد فيه الجميل حلفاءه وحصر خصومه بحزب الله وحده. وقد كان واضحاً أنه طوى مرحلة العداوة بينه وبين «المنظومة» التي وضع في خانتها الأحزاب الستة (حزب الله وحركة أمل والاشتراكي وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر والقوات)، ليفتتح مرحلة أخرى من إعادة التموضع في كنف فريق 14 آذار والأحزاب المنضوية فيه، وعلى رأسها القوات والاشتراكي. لم يعد رئيس حزب الكتائب يريد الطلاق مع المنظومة بل مع حزب الله وحماته حصراً، فتبدلت المعايير في قاموسه الإصلاحي. وباتت تقتصر مشكلته مع 14 آذار على «أداء المسؤولين الذين ذهبوا من تسوية إلى تسوية وصولاً إلى تسليم البلد إلى حزب الله وانتخاب رئيس الجمهورية الإسلامية على رأس الدولة». أما الحل فــ«بتغيير الأسلوب» فقط لا غير، إذ لم يعد الجميل يحلم بالإصلاح والمحاسبة و«الثورة» على من هم في صلب السلطة السياسية الصانعة للفساد وسياسات الإفقار والانهيار. الهدف واضح ومحدد: «سنعطل الانتخابات إذا أراد الفريق الآخر الإتيان برئيس يغطي سلاح حزب الله لست سنوات مقبلة»، رغم أنه أرسل نائبه الياس حنكش للنوم قرب ملحم خلف في مجلس النواب احتجاجاً على عدم عقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس.
هكذا، مهّد الجميل الابن خلال مؤتمر الحزب الطريق للاستدارة، بعدما تولى قبل ذلك، مع بعض قوى «التغيير»، تحوير قاموس «الثورة» بما يتناسب مع الحلفاء القدامى- الجدد. فتوافق والقوات والاشتراكي على ترشيح معوض، وزار رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو، ووقع نوابه الورقة السياسية الصادرة عن قوى المعارضة جنباً إلى جنب نواب القوات. وأعلن ضمناً، خلال المؤتمر، إعادة قيام تحالف 14 آذار.
بحسب مصادر مطّلعة، من الطبيعي أن يعيد سامي المثقل بنتائج انتخابية تكاد تكون الأسوأ في تاريخ الحزب خصوصاً في عرينه المتني، النظر في خياراته، خصوصاً أنه خرج من السلطة من دون أن يتمكن من لعب دور رئيسي في المعارضة. والأهم أنه فقد امتياز أن يكون الصوت الوحيد المعارض في المجلس بعدما بات في هناك 10 نواب على الأقل من صلب «الانتفاضة» يرفعون سقف خطابهم السياسي أكثر بكثير من سقفه. رغم ذلك واصل الجميل محاولة إرضاء قوى «التغيير» ولو على حساب موقع حزبه وتمثيله السياسي. غير أن النتيجة لم تكن على قدر طموحاته، بعد توزع جزء من قاعدته بين «التغييريين» والقوات. إذاً، إلى أين يذهب فتى الكتائب اليوم؟
تؤكد المعلومات أن الجميل الابن الذي بدأ عقد حلقات حوار مع حزب القوات عقب انتهاء الانتخابات النيابية بواسطة النائب جورج عدوان، يعتزم إعادة التحالف مع رئيس القوات سمير جعجع. فالمراجعة الوحيدة التي أجراها الكتائب هي تقييم فك التحالف مع القوات عام 2014 حين قرر المشاركة في حكومة تمام سلام التي قاطعتها القوات. تلى ذلك خلاف على مقعد بعبدا غداة اجتماع كل من سعد الحريري وسمير جعجع وأمين الجميل ووليد جنبلاط للتوافق حول مرشح رئاسي. يومها تم تبني ترشيح جعجع، لكن كانت المشكلة في رفض الأخير تبني أي مرشح آخر في حال لم يتمكن من النجاح بعد عدة دورات. فاستعر الخلاف الكتائبي مع القوات وما لبث أن تفاقم بعد توقيع القوات تفاهم معراب. تُرجم العداء برفض الكتائب التحالف مع القوات انتخابياً في المتن الشمالي رغم أن هذا التحالف كان سيعود بالفائدة على الكتائب. لكن بالنسبة للجميل، لم يكن الفوز بنائب إضافي أو خسارة نائب ليغير شيئاً على ما يقول كتائبيون يدورون في فلكه. فلا هو في تسابق على المشروعية المسيحية بين القوات والتيار، ولا هو ينافس جعجع على قيادة المشروع السعودي. وقد تيقن أخيراً أنه لا يمكن أن يقود «الثورة»، فإذا بالخيار الوحيد هو التحالف مجدداً مع القوات.


أمين بيار الجميل في مواجهة سامي أمين الجميل؟
للمرة الأولى منذ تسلم سامي الجميل مفاتيح رئاسة الحزب، يختفي الصوت المعارض في المؤتمر الحزبي كما في المكتب السياسي الذي يفقد استقلاليته شيئاً فشيئاً. فتدريجاً خرج، أو أُخرج، كل من يقول «لا»، من النائب السابق سامر سعادة إلى عبدالله ريشا إلى كل الأصوات المتمايزة كشادي معربس وأسعد عميرة وغيرهما. وتشير المصادر إلى أن من دأب على مواجهة سامي أصيب بالملل، وأبرزهم النائب نديم الجميل الذي لطالما كان يقلق راحة ابن عمه ويواجهه سياسياً وتنظيمياً. إلا أن نديم دخل في «السيستيم» وبات يعيش في «أشرفيته» متخلياً عن طموحه القديم برئاسة الحزب. من ناحية أخرى، خرج تدريجاً كل من كانوا يناقشون داخل المكتب السياسي وكل الطقم القديم المخضرم. أما العنصر الشبابي الذي نشط في نهاية الثمانينيات من طلاب وحزبيين ممن لديهم ميول قواتية أو هم أقرب إلى الرئيسين السابقين جورج سعادة وكريم بقرادوني، فقد تقدموا في العمر ولم يعودوا يهوون التناحر. الواقع أن آخر المتناحرين كان نديم الذي بات مطبّعاً مع سياسة سامي ويسوّق لها. فيما يتحدث الكتائبيون عن أن من يتحضر اليوم لمناكفة رئيس حزب الكتائب وسيلعب دور المعارض من الداخل، هو ابن شقيقه، أمين بيار الجميل. فالأخير منضوٍ في الحياة الحزبية وينشط متنياً بين الحزبيين، متقدماً بخطوات بطيئة نحو منافسة سامي على الرئاسة. وهو يحظى بمشروعية عائلية وشبابية ممن هم في سنه، ستجعل من مهمة سامي أصعب مع مرور السنوات.