في آخر حملات التوعية التي أجريت برعاية وزارة الصحة العامة، عام 2017، كانت المصابات بسرطان عنق الرحم في حدود 104 إصابات (وبحسب آخر إحصاء لمنظمة الصحة العالمية عن لبنان، كان عدد المصابات به 108 في عام 2019). ما عدا هذين الرقمين، لا تحديثات طاولت أعداد المصابات به. فقد توقفت حملات التوعية في الوزارة، مع انقطاع «الإمدادات» من الداعمين من شركات أدوية ومنظمات دولية، بما أنّ «الترند» منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم يقتصر على حملات التوعية من مخاطر الكوفيد ـ 19، والكوليرا في الآونة الأخيرة.وإلى هذا السبب، يمكن إضافة سبب آخر بات بديهياً، وهو المتعلق بالسجلّ الوطني للسرطان، والذي توقّف عن العدّ منذ عام 2016.

17% نسبة الكشف المبكر
اليوم، لا أرقام تكشف واقع سجلّ سرطان عنق الرحم، رغم أنه يُصنّف مسبّباً رابعاً للوفيات بين النساء في الشرق الأوسط، والتي تبلغ في لبنان ما بين 130 و150 وفاة سنوياً، وإن كانت التقديرات تذهب إلى أبعد من ذلك.

أرشيف (مروان طحطح)

يشير رئيس مجموعة صحة المرأة العربية، الدكتور فيصل القاق إلى أرقام قد تصل إلى 250 وفاة سنوياً، لكون بعض الوفيات لا تُسجّل تحت خانة هذا المرض، أو لا يُعلن عنها. وما يزيد السوء في السنوات الأخيرة هو انحسار نسبة النساء اللواتي يخضعن للكشف المبكر عن السرطان، إذ بلغت النسبة في خمس سنوات حتى عام 2019، الـ17%، بحسب منظمة الصحة العالمية، وهي نسبة لا تتلاءم مع الإستراتيجية شبه الملزمة التي تضعها هذه الأخيرة، والتي تقوم على ضرورة خضوع 70% من النساء لاختبار عالي الأداء في سن الـ35 عاماً ومرة أخرى في سن الـ45.
أما العامل الآخر، فيتعلّق بالأزمة الآنية المتعلقة بالنقص الحاد في أدوية وعلاجات المصابات به، سواء بالنسبة إلى العلاجات التي يأخذنها في المنزل أو يتلقّينها في المستشفيات، «والتي رُفع الدعم عن جزء لا بأس به منها، أو لا تغطيها الجهات الضامنة، أما تلك التي بقيت مدعومة فهي غير متوفرة بشكلٍ دائم»، يقول مصدر في وزارة الصحة العامة.

مرض قابل للمنع
صحيح أن معاناة الإصابة بسرطان عنق الرحم تتشابه مع سرطانات أخرى، إلا أن ما يختلف فيه هذا السرطان عن غيره «أننا قادرون على التصدّي له بالمعنى العلمي»، بحسب القاق. ويكون ذلك عبر قناتين أساسيتين: الأولى تتعلق بتعزيز التقصي والكشف المبكر عنه، والثانية بتعزيز ثقافة التلقيح.
في الشقّ الأول، الدراسات واضحة في ما يخصّ إمكانية خفض نسب الإصابات بدرجة عالية مع الكشف المبكر، بحيث يؤدي التشخيص المبكر إلى «إنقاذ الحياة من خلال التوجه نحو الإزالة الكاملة للمتغيّرات ما قبل السرطانية».
وهنا تأتي الوظيفة الحتمية للقاح (التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري HPV) والذي يبدأ تطبيقه ما بعد بلوغ الفتاة عمر التاسعة. ويؤخذ هذا اللقاح على جرعتين ما بين 9 سنوات و15 سنة وثلاث جرعات مع تخطي عمر الـ15 سنة. وفي معظم دول العالم، بات هذا اللقاح روتينياً، ما عدا لبنان الذي لم يُدرج فيه هذا اللقاح بعد في جدول التطعيم الوطني. وبسبب ذلك لم يفعل فعله، ودونه الكثير من العقبات، منها مالية وأخرى تتعلق بمقدّمي الرعاية الصحية الأولية وثالثة تتعلق بالربط ما بين الإصابة والعلاقات غير الآمنة، ويضاف إليها في رابع الأسباب الآن ثمن اللقاح المرتفع.
قادرون على التصدّي له عبر الكشف المبكر وتعزيز ثقافة التلقيح


ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه من الطبيعي أن يكون هذا السرطان في لبنان «تحصيلَ حاصل»، ما يدفع إلى ضرورة إعادة التفكير في الإستراتيجيات المتبعة، والتي تكتفي بمعالجة النتائج بدلاً من العمل على معالجة الأسباب. وفي حالة سرطان عنق الرحم، «يمكن بسهولة عكس الدراما عن طريق الاستثمار في طريقَي الوقاية الأولية واللقاح، وهي رخيصة الثمن مقارنة بالعلاجات ما بعد الإصابة». والطريق نحو هذه الإستراتيجية متوافرة بحسب منظمة الصحة العالمية ضمن معادلة 90/70/90: تلقي 90% من الفتيات التطعيم بلقاح فيروس الورم الحليمي البشري، وخضوع 70% من النساء ما بين 35 و45 عاماً للفحص، وحصول 90% من النساء المشخّصة حالتهن على العلاج.
في حالة لبنان، قد تعفي هذه المعادلة مما يحدث حالياً: التفكير في أيّ الأدوية ندعم أو أيّها سنرفع عنها الدعم!