تتعرض بعض النساء لأشكال مختلفة من العنف الزوجي، اللفظي والمعنوي والنفسي.. وصولاً إلى الضرب والقتل. وإذا كانت للإيذاء الجسدي آثاره الواضحة والمباشرة على حياة المرأة، فإن الإيذاء النفسي أشدّ ضرراً أحياناً، وهو ما يعرف بـ«القاتل الصامت». ورغم كلّ المحاولات الجديّة لبعض الجمعيات ومن خلال سنّ قوانين حماية الأسرة والعنف الأسري، لا تزال هذه الآفة تفتك في جسد بعض الأسر وتهدّد استقرارها. فكيف تؤثر الجرائم الزوجية على صحة المرأة النفسية؟ وما الذي يدفع بعض الأزواج إلى العنف بديلاً من الطلاق كوسيلة لحل الخلافات الأسرية؟ إذا كانت الأسرة هي البيئة الآمنة لمختلف أفرادها، فإن ذلك يتطلب من كل الأطراف تحمل مستوى معيّن من المسؤولية وإدراك الحقوق والواجبات. إذ إن أيّ خلل في علاقات الأُسر يؤثر على التناغم والترابط بين أفرادها. لكن، تبعاً لعوامل محددة، كالعقلية الذكورية والموروثات الاجتماعية التقليدية وغياب القوانين الرادعة، بات العنف وسيلة لبعض الأزواج لتفريغ غضبهم، وضبط حياتهم الزوجية ضمن قواعد يضعونها بأنفسهم.
وفي كل مرة تُطرح فيها علامات استفهام حول الأسباب التي تمنع المرأة من رفع الصوت عالياً ورفض كل أنواع العنف التي تمارس عليها، يأتي الجواب على شكل مخاوف تعانيها المرأة في مجتمعاتنا، كالخوف من الطلاق كـ«وصم اجتماعي»، أو الخوف من فقدان حضانة الأطفال، أو غياب القدرة المادية.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره | المصدر: المديرية العامة للأحوال الشخصية

منى (25 سنة)، أمّ لطفلين، أجبرتها ظروف عائلتها المادية الصعبة على الزواج في سنّ مبكرة. ورغم تعرّضها لأسوأ أنواع المعاملة من قِبل زوجها، من توجيه الشتائم والإهانات إلى الضرب، إلا أنها تعتبر أن «البقاء معه أرحم من العودة إلى منزل الأهل».
أما علا (35 سنة)، وهي أمّ لثلاثة أطفال، حاولت الهرب أكثر من مرة بعد تعرّضها لاعتداءات من قِبل زوجها كادت تفقدها حياتها. لكن، كان لعائلتها رأي آخر. إذ إن «البنت ما إلها إلا بيت زوجا». تعاني علا من اضطرابات نفسية وعصبية، وبات اللجوء إلى تعاطي الأدوية المخدّرة وسيلتها الوحيدة للصمود.
في المقابل، نساء كثيرات رفضن الظلم، وطلبن الحماية بعد رفعهنّ دعاوى طلاق، وكان الانتظار الطويل مصيرهنّ، بعدما واجهن معوّقات كثيرة تتعلّق بالتأخر في بتّ القضايا، وتعذّر إثبات بعض الأدلّة.. فكان أن خسرت بعض الضحايا حياتهنّ نتيجة لهذا التأخير. منى عاقوري (مواليد 1977)، أمّ لثلاث بنات، كانت آخر ضحايا العنف الزوجي. قتلها زوجها أمام أعين بناتها في بلدة بلاط قضاء جبيل، بعد أشهر على تقدّمها بدعوى طلاق وتعنيف.

الصحة النفسيّة أولوية
لا شك أن للعنف تأثيراً كبيراً على صحة المرأة النفسية، وهو ما ينعكس على سلوكها وأفكارها ودورها ضمن أسرتها. الأمر الذي أكدته العديد من الدراسات والإحصاءات، بعدما تبيّن أن علاقة قوية تربط بين العنف الزوجي والاضطرابات النفسية. فالعنف يؤدي إلى الاكتئاب، والشعور بالتعب والإرهاق، واضطرابات النوم والقلق الاجتماعي، والأعراض الرهابية (المخاوف المرضية - الفوبيا).
وتوضح المتخصصة في علم النفس تغريد حيدر، أن المرأة التي تتعرض للعنف تصبح أكثر ميلاً إلى العزلة لشعورها بالدونية وفقدانها الثقة بنفسها، وهذا ينعكس سلباً على علاقتها بأطفالها وبالتالي زعزعة قواعد التربية السليمة. تختلف الآثار بحسب مدة التعرض للعنف وتكراره. فالعنف المتكرر يفقد المرأة شعورها بالاستقرار والأمان، ويزيد من نفورها ليس فقط من زوجها، بل من كل الذكور بسبب تعميمها لنموذج المعتدي.
ما الذي يدفع بعض الأزواج إلى العنف بديلاً من الطلاق كوسيلة لحل الخلافات الأسرية؟


وتشير حيدر إلى أن زيادة الوعي ضمن الحياة الأسرية تجاه الحقوق والواجبات والوعي القانوني يحمي المرأة في حال تعرّضها للعنف. فبعض النساء لا يدركن أنواع التعنيف الممارس عليهنّ، بل يعتبرن أنه نمط طبيعي ضمن الأسرة. وهذا مفهوم خطير ينبغي تصويبه. كما توضح أن للمدارس دوراً مهماً في نشر هذه الثقافة، وخصوصاً للفئات المقبلة على الزواج، كوقاية مسبقة لمعرفة دور كل منهنّ في الأسرة، ومعرفة حقوقها وواجباتها.
من جهة أخرى، يفترض أن يساعد الإعلام في التركيز على الضحايا والآثار الناجمة عن العنف تجاه المرأة والأسرة ككل، وفي تصويب النظرة الخاطئة التي تشير إلى أن بعض الأديان قد أجازت العنف، فيما الحقيقة أنها حفظت للمرأة كرامتها.
وإذا كان لا بد للمرأة من أن تستمر في حياتها الزوجية رغم كل الظروف، فإن العلاج النفسي ينبغي أن يكون من أولوياتها من خلال التقنيات المختلفة. وتختلف بحسب الحالات، إن كان العلاج المعرفي السلوكي، أو التفريغ النفسي، ما يساعدها على التكيّف مع دورها كأمّ وزوجة.