كيف تنظرون إلى واقع الخلافات الزوجية المؤدية إلى الطلاق، انطلاقاً من الشكاوى والمراجعات التي تردكم، وهل هي في ازدياد وما هي الأسباب برأيكم؟
- يمكننا القول من خلال ملاحظاتنا ومتابعاتنا إن المراجعات والشكاوى بشأن الطلاق التي تصلنا هي في ازدياد أسوةً بالسنوات الماضية بنسبة تتجاوز الـ20%، عاماً بعد عام.
ومما يُلحظ في هذا المجال من الحالات التي تصلنا أن نسبة النساء اللواتي يبادرن إلى رفع الشكاوى طلباً للطلاق في ازدياد، بعد أن كانت المرأة عموماً لا تبادر إلى طلب الطلاق. وهذا أمر لافت. ومما يُلحظ كذلك أن المراجعات والشكاوى بين الزوجين تصلنا بعد فترة قصيرة نسبياً من عمر الزواج، ما يشي بأن علاج الخلافات الزوجية حتى في الفترات المبكرة من الزواج أضحى أكثر صعوبة. والملاحظ أن الخلافات غالباً ما يصاحبها تشنج متبادل بين الزوجين أكثر من ذي قبل عندما كان طابع الكثير من الحالات هو الرغبة المشتركة أو على الأقل من أحد الزوجين إلى الإصلاح وإيجاد وسيط لحل الخلافات. وأخيراً فالملاحظ أن استسهال الطلاق والانفصال بين الزوجين تصاحبه قلة تدخل من الأهل مقارنةً بالفترات السابقة، حين كان للأهل حضور مؤثر في حل الخلافات بين الزوجين.


ومن جانبنا كمهتمين بمعالجة المشاكل الشرعية والتوسط لعلاجها، نسعى للحل والإصلاح وتبيان الحقوق وتقريب وجهات النظر. إن الحالات الشديدة التعقيد التي قد يكون فيها الطلاق محسوماً يتم تحويلها إلى العمل الإجرائي الذي ليس سهلاً أيضاً، خاصة مع صعوبة الوصول إلى الزوج الذي هو الطرف المشكوّ منه في حالات الطلاق بطبيعة الحال.
أما الأسباب فهي متنوعة ومتقاطعة، حيث يفرض الجو العام نفسه ويقتحم الأُسر بشدة، خاصة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي نعيش تبعاتها في لبنان والتي تنعكس ضغوطاً وتوترات في العلاقة الزوجية. هذا كله يترافق مع متغيرات مفاهيمية واضحة على المقدمين على الزواج، والنتيجة هشاشة المنطلقات وعدم الصبر وغياب التضحية وعدم التحلي بروح المسؤولية، خاصة عند الأزواج الذين يتركون أسرهم اختياراً أو قسراً ويسافرون لفترات طويلة.. وقد تنقطع أخبارهم في بعض الأحيان. وفي هذا المجال، لا نغفل دور وسائل التواصل التي تمارس تشويشاً بطرحها نماذجَ غير واقعية، تشكل ضغطاً نفسياً على الزوجين كلٌّ من زاويته وصولاً إلى عدم القناعة عن الطرف الآخر أو عن الذات.

يعيش الزوج في بعض الأحيان حال تعنّت حيث يرفض الطلاق إلا ضمن سلة شروط قاسية، ما رأيكم، وما هي العلاجات المطروحة؟
- هذه مسألة حساسة، ونحن نقول إنه لا يمكننا مطلقاً أن ندعو إلى إزالة الضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية، وتسهيل الطلاق لكي يصبح حلاً متوافراً عند أي خلاف لا تخلو منه أي علاقة زوجية، نظراً إلى تبعات الطلاق على العائلة ولا سيّما الأطفال، ما ينعكس على المجتمع كلّه.
ولكن لو فُرض أن العلاقة بين الزوجين وصلت إلى حائط مسدود وزالت المودة وانتفى التفاهم، وفشلت محاولات الإصلاح وتقريب وجهات النظر، لكان وجب على الزوج عند ذلك أن يستجيب لرغبة زوجته بالطلاق، وألا يتعنّت بمطالبه، انسجاماً مع قيمه الدينية التي جرى عقد الزواج على أساسها والتي تفرض أن تكون حساسيته عالية تجاه الانتقاص من حقوق زوجته وعائلته.
والقرآن الكريم واضح في الأسلوب الذي يجب أن يحكم الزواج عندما تنتفي السبل للإصلاح: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ". ولا ثالث لهما. للأسف، نعم هناك حالات كثيرة يستغل بها الزوج حقه بالطلاق، وهذا في أحيان كثيرة برأينا يعود إلى التطبيق الانتقائي للأحكام الشرعية وتجريدها من أبعادها الأخلاقية التي هي عمق الدين.
وفي حالات التعنّت لا بد أن نشير إلى أن الشريعة الإسلامية أفسحت مجالاً للحاكم الشرعي أن يلعب دوراً كبيراً في هذا الشأن للتدخل لفرض الطلاق وإلزام الزوج بالقيام بكل ما هو واجب تجاه زوجته وأسرته، إن هو لم ينفق ولم يعاشرها بالمعروف أو أساء إليها، وهنا نرى أهمية توسعة البحث الفقهي والاجتهاد ليشمل ما هو أبعد من ذلك.

(أنجل بوليغان ــ المكسيك)


هناك من يطالب بوضع شروط ضمن عقد الزواج لحماية المرأة والأولاد، ما هو رأيكم بذلك، وهل الموضوع قابل للتطبيق؟
- بخصوص شروط ضمن عقد الزواج لحماية المرأة والأولاد، نعم، لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بهذا الجانب، فأجازت للمرأة أن تضمّن عقد زواجها شرطاً هو أن تكون وكيلة عن الزوج في طلاق نفسها، إما مُطلقاً أو في حالات خاصة، وجعلت هذا الشرط مُلزماً للزوج. كذلك الأمر في موضوع الحضانة والنفقة وما إلى ذلك من البنود التي يمكن تضمينها في عقد الزواج. ومن المهم في مجتمعنا أن نثقّف المقبلين على الزواج بما يتضمّنه عقد الزواج من واجبات وحقوق وبما يمكن الاتفاق عليه بحيث يصبح ملزِماً للطرفين. وهذا ما نلفت إليه من يتقدمون إلى الزواج ليعرفوا ما هو المتاح لهم ويكونوا على بيّنة قبل إجراء العقد. ومن خلال تجربتنا نلاحظ أن خطوة وضع الشروط وإن كانت تجد مقبولية لدى البعض بشكل أكثر من ذي قبل لكنها لا تزال تُواجَه بالاستغراب أو بالرفض لدى آخرين.

الطلاق يجرّ معه ضحايا غالباً هم الحلقة الأضعف ونقصد الأطفال. ما دوركم في هذه الحالات وهل تلحظون مصلحة الأطفال عادة بمعزل عن مصلحة الأم أو الأب؟
- نعم، هذا هو الواقع، فإن الأولاد عموماً، ولا سيّما الصغار منهم، هم ضحايا الخلافات الزوجية في كل مكان، هذا لو نجح الزوجان في تحييد أولادهما، فكيف إن لم يكونوا حكماء في تحييدهم. إننا أمام واقع مؤسف، هو أسوأ آثار الطلاق وأبرز جوانب مبغوضيته، الذي سيحفر عميقاً في نفوس كثيرين منهم، فتطبع شخصياتهم وسلوكياتهم عندما يكبرون. وهذا ما نشهده في المدارس والمؤسسات الاجتماعية التي تستقبل الأطفال من حالات طلاق لرعايتهم، إذ يلاحظ أن الأمور لا تسير بالسهولة بل يحتاج العديد منهم إلى متابعة نفسية وسلوكية وعلاجات ومتابعات مع الأهل داخل المؤسسات وخارجها.
لهذا نحن دوماً ننصح خلال إجراءات الطلاق ألا يكون توافق الأطراف محصوراً بالأمور المادية والنفقة، على ضرورتها، ولكن ندعوهم للتوافق أيضاً على كيفية معاملة الطفل، بما يشبه وثيقة أخلاقية وتربوية تفصيلية وعملية يتعاهدون عليها لتجنيب الطفل آثار أزمتهما وتخفيف الأضرار عنه حتى لا يصبح الطفل صندوق بريد أو كاميرا تسجيل ونقل أخبار بين الأم والأب. وما نؤكد عليه أمامهم دائماً أن ولاية الأب ليست امتلاكاً وامتيازاً وحق الحضانة ليس مكسباً وانتصاراً بقدر ما هما مسؤولية كبرى، لا بد أن تأخذ في الاعتبار مصلحة الأطفال أولاً.

وماذا عن الموضوع الشائك: الحضانة الشرعية وتنازع الطفل؟
- الحضانة من الناحية القانونية في المحاكم الشرعية محدّدة ولها نظامها، وتختلف بين المذاهب وضمن المذهب الواحد حول تقسيمها بين الأب. ونشهد اعتراضات في بعض الحالات على مدة الحضانة، خاصة من قِبل الأم. نحن دوماً ننصح بالتوافق بين الزوجين لما في ذلك من مصلحة للجميع حتى لا نقع في المحذور ويصبح الأولاد محل نزاع معلن. في الوقت نفسه نرى أن الحاجة باتت ضرورية لإعطاء البحوث الجديدة في الفقه الأسري أولوية بما يضمن مصلحة الأطفال.
نحن ننصح خلال إجراءات الطلاق ألا يكون التوافق محصوراً بالأمور المادية فقط ولكن ندعوهم للتوافق أيضاً على كيفية معاملة الطفل


بقي أن نذكر -كما ذكرنا سابقاً- في موضوع الحضانة أن الشروط التي قد يضمّنها الزوجان في عقد الزواج مهمة أيضاً. وأهمية هذه الخطوة ليست شرعية وقانونية بل إنها قد تشجع المقبلين على الزواج على النقاش والتفاهم على مثل هذه المواضيع بشكل سابق لأوانه، ما قد يبرد المشاكل في المستقبل. وكذلك فإن مثل هذه النقاشات قد تسلط الضوء على جوانب في شخصية المقبلين على الزواج قد تكون خَفية أو مضمرة. وأخيراً نقول إن تدخل الأهل والعائلة أمر ضروري، وهذا تاريخياً كان شبكة أمان للأطفال في مجتمعاتنا.

سماحة السيد، برأيكم ما الذي يساعد في تحصين الأسرة أولاً وعدم الوصول إلى طلاق مؤذٍ بين الزوجين، هل هناك من مقترحات مساعِدة في هذا الإطار؟
- لا شك أن تحلّي الزوجين بالإيمان والأخلاق هو ركيزة الأسرة السعيدة والمستقرة، ومن الضروري عند الزواج اختيار الشريك الخلوق كشرط أساسي، ولكنّ هذا الشرط على أهميته يجب أن يقترن بالانسجام من ناحية التكافؤ والطموح والتطلع إلى المستقبل وما إلى هنالك.
لذلك من المفيد -وهناك مبادرات مشكورة- أن تتوفر دورات وورش عمل للمقبلين على الزواج حتى يتفكروا في ما يتضمّنه عقد الزواج من حقوق وواجبات اجتماعية وشرعية، وتكون هذه الدورات والورش فرصة ليخطط المقبلون على الزواج لمستقبلهم وليكونوا واعين لكل خياراتهم. إضافة إلى ذلك فإن على المعنيين بالتوجيه أن يهتموا بالإرشاد الأسري عند الزواج وفي أثنائه، فيقوم المعنيون بمواكبة الأسرة بالتوجيهات النافعة أو بتوفر المعالجين النفسيين والاجتماعيين. كما يجب على الإعلام أن يلعب دوراً كبيراً في هذا الشأن.
من تجربتنا مع حالات كثيرة نرى أن الخلاف بوجود الأخلاق يكون أقل ضرراً. فالأخلاق تكبح المشاكل، فلا كيدية أو نكد ولا غش أو خداع. وصفة التحلي بالإنسانية تسهّل تطبيق التشريعات، لأنها -أي التشريعات- نزلت بشرط الإنسانية، فالإنسانية هي الحاكمة.