إذا كان تعثر التعليم الرسمي يسرق الأضواء تربوياً، فالتعليم الخاص ليس بأحسن أحواله. إذ يواصل الدولار جنونه، ترتفع فاتورة التعليم، ويزداد قلق الأهالي على مصير العام الدراسي وعجزهم عن تحمّل زيادات إضافية على الأقساط بدأت المدارس تلوّح بها لهذا العام أو للعام المقبل. أما الأساتذة في التعليم الخاص، فلا تسمع أنينهم أسوة بزملائهم في الرسمي، يتألمون «على السكت»، بعدما فقدت مخصصاتهم المتفق عليها بالليرة بداية العام قيمتها.أول العام الدراسي، تفاجأ الأهالي بأقساط وصفوها بـ«الخيالية» و«غير المنطقية». لكن الأزمة الاقتصادية والغلاء الذي يحيط بهم من جهة وعدم ثقتهم أنه سيكون هناك عام دراسي منتظم في المدارس الرسمية أجبرهم على تحمل الأقساط المرتفعة والدولارية. لكن المدارس «لم ترحمنا»، تشكو سناء التي طلبت منها المدرسة 4 ملايين ليرة إضافية بعد شهرين على انطلاق العام الدراسي، «من دون مناقشة، أرسلت إلينا رسائل نصية تطلب تسديد الزيادة»، ومع قفزة الدولار الأخيرة، «أخاف من حجم الزيادة المرتقبة على الأقساط»، عدا عن كلفة الباص المدرسي التي ترتفع من فصل إلى آخر مع ارتفاع كلفة المحروقات.

الزيادة حتمية؟
لا يعيش الأهالي على كوكب آخر، يعرفون مآل الأزمة الاقتصادية جيداً، «لكن الأزمة تطاولنا كما تطاول الأساتذة والمدارس»، بحسب رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل. وإذ تتفهم «ضرورة زيادة الأقساط في بعض الأحيان»، تقول إنه «إذا كانت الزيادات لا بد منها، لتخضع الموازنات للتدقيق المالي من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، خاصة بعد أن مررت المدارس الدولرة عن طريق كسب تعاطف الأهالي مع الأساتذة من دون أن يحصل معظم الأساتذة فعلياً على دولار واحد».
ومن جهة ثانية، يطمئن البعض أنه لن تكون هناك زيادة على الأقساط هذا العام، كما وعِد أهالي الطلاب في مدرسة البيان- الحدث، على سبيل الذكر لا الحصر. غنوى أيضاً مطمئنة أنه لا زيادة هذا العام على أقساط مدرسة أولادها في الجنوب، لكنها مدركة أن «الجميع غير راض، لا إدارة المدرسة ولا الأساتذة. حتى أن المدير يقول عن القسط الذي يساوي 10 ملايين ليرة و200 دولار رمزياً».
وإذ اطمأن بعض الأهالي على مصير هذا العام الدراسي، تهيئهم المدارس إلى زيادات كبيرة في العام المقبل تشعرهم بأن مستقبل أولادهم الدراسي على المحك، هكذا علمت لجان الأهالي وتنقل إحداها لـ«الأخبار» أن المدرسة في صدد رفع القسط من ألف دولار إلى ألفين.
حتى الأساتذة ينتظرون حلول العام المقبل لتسوية أوضاعهم. فـ«بعد الدولرة الكاملة للأقساط التي سمعنا عنها ستُصحّح رواتبنا وسيكون جزء منها بالفريش دولار»، يتوعد الأستاذ فراس، آسفاً لأن «المدرسة لم تضع الأهل في الصورة الكاملة لما تخطط له، لكنها تلمّح لهم أن السنة المقبلة ستتغير الأوضاع، ولن نقبل بهذه الأقساط». كيف يتلقف الأهالي هذه الأخبار؟ يجيب: «وضع الأهالي صعب جداً، وعندما تحدثهم عن زيادة في الرسوم التعليمية تكاد تصيبهم الجلطة، فهم بالكاد يتحملون أعباء تعليم أولادهم هذا العام».

كيف يصمد الأساتذة؟
من جهة ثانية، ما الذي يدفع الأساتذة في التعليم الخاص إلى القبول براتب شهري يساوي صفيحتي بنزين؟ بداية، لم يعد جميع الأساتذة يقبلون بذلك. هناك من فضّلوا التعليم الخصوصي أو التعليم عن بعد لتلامذة في الخارج أو الهجرة أو استبدال التعليم بمهنة تسد رمق العيش... وهذا ما تفسّره عروضات تطلب أساتذة بالجملة من جميع التخصصات خلال العام الدراسي. من بقي من الأساتذة، يطالب المدرسة بزيادة على الراتب المتفق عليه في العقد المبرم أول العام، خاصة إذا كان بالليرة فقط. بعضها تستجيب فـ«أسكتتنا بـ50 دولاراً إضافة إلى الـ3 ملايين ليرة»، تقول آية من طرابلس.
لكن، يبقى من يصمد من الأساتذة، ويقبل براتب قد يبدأ بمليونين في بعض المدارس في الضواحي الشعبية التزاماً بالعقد الذي وقعوه في أول العام ويمتد إلى تسعة أشهر، أو إيماناً بأن أوضاعهم ستتحسّن في السنة المقبلة، وهناك من «يقبل بالقليل الذي لا يختلف عن الحرمان، ليس طمعاً بالوظيفة أو الضمان أو صندوق التعويضات، وإنما حتى لا أقع ضحية الاكتئاب إذا غادرت عملي وبقيت في المنزل». إدارات المدارس تقدّر تضحياتهم، و«لم تعد تتشدّد في التعامل معنا، وصارت تتغاضى عن أخطائنا حتى لا نغادر».