بحسب قاعدة بيانات التمويل الخاصة بـ«مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة - OCHA»، ضخّت النرويج نحو 534.5 مليون دولار في لبنان بين عامَي 2006 و2022. قبل اندلاع الحرب في سوريا ونزوح الملايين من سكانها إلى دول الجوار، كانت ملايين النرويجيين تُضَخّ في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عبر مؤسسة «مساعدة الشعب النرويجي - Norwegian People's Aid» و«لجنة المساعدة النرويجية – Norwegian Aid Committee» و«المجلس النرويجي للاجئين - NRC». أغلب البرامج التي نفّذتها هذه الأذرع تركّزت على تغطية وكالة الأونروا تعليم اللاجئين الفلسطينيين، ودعم «الناشطين ضد العنف الجندري»، وتعزيز «الحوكمة والشفافية» في مؤسسات الدولة اللبنانية. وقد بدأت الموازنات المخصّصة للصرف في لبنان بالتضاعف ابتداءً من عام 2012، فبلغت حوالي 13 مليون دولار، لتقفز إلى حوالي 38 مليوناً عام 2015، فيما شهد عام 2018 أعلى رقم من حيث المبالغ المرصودة بحوالي 76 مليون دولار.ليس من السهل تتبّع أموال النرويجيين وتقصّي كيف صُرفَت وأين، بسبب التكتّم والسرّية اللذين يغلفان عملهم في لبنان. لكن، تكشف قاعدة بيانات أخرى مصرَّح عنها لـ«المبادرة الدولية للشفافية حول المساعدات - IATI»، أنّ النرويج أنفقت في لبنان بين 2015 و2022 حوالي 319 مليون دولار، أغلبها عبر «الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي – NORAD». وأُنفِق حوالي 60% من هذه المبالغ على «اللاجئين»، وحوالي 12.7% على «الحوكمة والسياسة»، وحوالي 5.5% على «الأمن»، ومثلها على «الصحة والغذاء»، وحوالي 3.5% على «الثقافة والتعليم». وتبرز أجندة النرويجيين جليّاً عند معرفة أنّهم صرفوا حوالي 11 مليون دولار على قطاع «البيئة والموارد الطبيعية» في 7 سنوات فقط، بمعدّل مليون ونصف مليون دولار سنوياً، إذ إنه لطالما كان قطاع النفط والغاز في لبنان محط اهتمام أوسلو سابقاً وراهناً.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

من المشاريع اللافتة التي موّلها النرويجيون عبر NORAD عام 2018 تقديم 722,100 دولار إلى «مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن - DCAF» لـ«دعم قوى الأمن الداخلي اللبناني في مكافحة التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في لبنان من خلال تطوير آليات رقابة داخلية أكثر كفاءة وتعزيز حماية المحتجزين من الذكور والإناث». وكان لبنان قد انضم، كأول بلد عربي، رسمياً عام 2007، في عهد حكومة فؤاد السنيورة، إلى عضوية المركز السويسري المذكور. يورد «مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن» في تقريره السنوي لعام 2020 أنّه «عزّز نطاق تدخّله في لبنان خلال العام من خلال العديد من مبادرات برنامج إصلاح قطاع الأمن، مع التركيز على دعم مؤسّسات الرقابة الرسمية وقوات الأمن بهدف زيادة الامتثال للقواعد والمعايير الدولية».
في نيسان 2022، وقبل شهر من الانتخابات النيابية، أعدّ «منتدى المنظّمات غير الحكومية الدولية الإنسانية في لبنان - LHIF» تقرير سيناريوات بعنوان «التحضير لواقع ما بعد الانتخابات الجديدة في لبنان». المنتدى تأسّس عام 2012، عقب بدء توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، وهو مموَّل من «مكتب السكان واللاجئين والهجرة - BPRM» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، و«الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي - SIDA». تنضوي اليوم ضمن المنتدى 64 منظّمة دولية، أغلبها أوروبية، وتشكّل المنظّمات الاسكندينافية فيه ثقلاً أساسياً، وبالتحديد النرويجية منها، حيث تشير معلومات «الأخبار» إلى أنّ «المجلس النرويجي للاجئين - NRC» له حصّة الأسد في تحديد سياسات وأولويات LHIF. في تقرير المنتدى حديث عن الاستعداد لواقع سوداوي جديد محفوف بالمخاطر في لبنان بعد الانتخابات النيابية، ما سيفرض على المؤسسات الدولية المانحة اتخاذ إجراءات لوجستية عملياتية خاصة لتمكينها من الاستمرار بالعمل.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره

يورد معدّو تقرير السيناريوات أنّ المخاطر مترابطة ومتداخلة بأربعة محفّزات هي: «تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار الخدمات الحيوية، وتفاقم العنف بين المجتمعات المحلية وداخلها، والزيادة الحادة في الجريمة ذات الدوافع الاقتصادية». ولذلك يرفعون ست توصيات للمنظّمات هي:
- الدعوة إلى تصميم هيكل تنسيق جديد أكثر رشاقة، يمكن استعماله بسرعة إذا تسرّعت عملية انزلاق لبنان من كونه بلداً متوسط الدخل ضعيف الأداء إلى بلد طوارئ كامل.
- تعزيز التنسيق الأمني، سواء بين المناطق الجغرافية أو بين الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، ما يضمن مشاركة جيدة للمعلومات حول الحوادث الوشيكة الحصول والحوادث الأمنية. تطوير خطط أمنية مشتركة (منازل آمنة مشتركة Safe Houses بين المنظّمات غير الحكومية لكل منطقة على سبيل المثال).
- إعداد برمجيات للحالات الطارئة، بما في ذلك إيجاد طرق للعمل عن بعد، وتعزيز ودعم دور الشركاء المحليين المتضمن داخل المجتمعات. تحديد طرق إضافية لدعم العاملين في مجالات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي؛ بناء المرونة في تسليم البرامج واتفاقيات التمويل؛ وتطوير مناهج إبداعية لتشمل الحماية والطاقة المستدامة وسبل العيش في برامج المساعدة الطارئة الملموسة. الدعوة إلى التخطيط المحدَّد للقطاعات وعبر القطاعات مع الوزارات، مع الأخذ في الحسبان القدرة الوزارية المنخفضة المحتملة.
- البحث عن طرق للتحدّث مباشرة إلى المجتمعات حول الهوية الإنسانية للمنظمات غير الحكومية، باستخدام منصّات تعرفها المجتمعات المحلية وتثق بها.
ليس من السهل تتبّع أموال النرويجيين وتقصّي كيف صُرفَت وأين، بسبب التكتّم والسرّية


- تطوير بدائل للطوارئ للحفاظ على سلاسل التوريد الأساسية (الوقود والنقد والأدوية) والمواجهة السريعة لمشكلات خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت في حالات الطوارئ، ربما من خلال نموذج مركز للخدمات المشتركة يكون تابعاً للأمم المتحدة.
- تطوير مؤشّرات مشتركة للمخاطر الناشئة (على سبيل المثال: عدم استقرار العملة، أو انهيار البنوك، أو الحوادث الوشيكة الحصول والحوادث الأمنية). رصد وتبادل المعلومات لبناء فهم مشترك للتحدّيات، بما في ذلك بين الوكالات الأصغر والشركاء المحليّين الذين لديهم قدرات ذاتية أقل.
تُظهر التوصيات الخطيرة المذكورة أعلاه أنّ المنظّمات الدولية كانت تملك معطيات قبل إجراء الانتخابات بأنّ النتائج لن تساهم في تحسّن أوضاع اللبنانيين، كما أنّ مضمون التوصيات يؤكّد أنّ هذه المنظّمات تسعى وتعمل على أخذ دور الدولة في كثير من القطاعات، مستفيدة من حالة التردّي وتفاقم الأزمات. إضافة إلى ما يمكن وصفه بـ «الجرأة» عند حديثها عن تأمين Safe Houses، على طريقة أجهزة الاستخبارات الخارجية، فمن الواضح بأنّ الأمن يعني كثيراً لهذه المنظّمات التي تبالغ في التقديرات الأمنية وتبني سياساتها على أساسها.