«يختلف الليبرالي الأبيض عن المحافظ الأبيض بشيء واحد فقط، الليبرالي أكثر خداعاً وأكثر نفاقاً من المحافظ، فكلاهما يريد السلطة (القوة)، إلا أن الليبرالي هو الذي أتقن فنّ الظهور كصديق الأسود والمتفضّل عليه. ومن خلال الفوز بصداقة الأسود، يتمكن الليبرالي الأبيض من استخدام الأسود كبيدق أو سلاح في كرة القدم السياسية هذه … التي يشكل فيها الأسود الكرة السياسية»
مالكوم اكس


يان إيغلاند يعدّ نجماً «إنسانياً» في بلاده، وهو قيادي ابن قيادي في حزب العمل النرويجي، والمنظّر والأب الروحي للنموذج النرويجي في تكامل السياسة الخارجية ومنظماتها الإنسانية، أو ما أصبح يعرف «بالقوة الإنسانية العظمى» التي تمثلها النرويج.
بدأت نظريته حول العمل الإنساني تتبلور خلال دراسته الجامعية في بيركلي الأميركية، حيث ابتعث ضمن منحة فولبرايت وتخرج عام 1983. بعدها عمل كزميل في معهد ترومان لتطوير السلام في القدس، ثم عاد الى بلاده ليكتب دراسته الأهم عام 1985 «قوة عظمى عاجزة - دولة صغيرة قادرة. إمكانيات ومحدوديات أهداف حقوق الإنسان في السياسات الخارجية للولايات المتحدة والنرويج»، التي نشرها معهد بريو للسلام. والنظرية تتحدث عن عجز القوة العظمى الأميركية عن تنفيذ الأجندات الإنسانية الليبرالية، فحجمها وسمعتها لا يعطيانها المرونة وهامش الحركة المناسب. في المقابل، بإمكان قوة صغيرة، بعيدة جغرافياً عن رقعة الصراع العالمثالثي ومن دون سمعة استعمارية أو توسعية، أن تمرر هذه الأجندات الإنسانية من خلال المنظمات غير الحكومية بنجاعة، بالنيابة عن القوة العظمى، ومن دون إثارة ريبة أحد حول النيات التي تقف وراء هذه الأجندات. وبالنسبة إلى إيغلاند، يعدّ النموذج النرويجي الفريد في أنقى أشكاله عندما تعمل وزارة الخارجية بشكل تكاملي (in symbiosis) مع الأكاديميا والمنظمات غير الحكومية والإنسانية. 
سيرة الرجل المهنية لافتة. من ناحية، صعد بشكل صاروخي في المناصب الحكومية وغير الحكومية، وإن لم يكن الرجل الأول في المؤسسة أو المنظمة أو حتى وزارة الخارجية، مع ذلك، لا يجب الاستهانة بتأثيره. فهو يبدو كأنه المحرك الفعلي لرئيسه، أو كأنه الملقّن الأميركي، ولطالما تميزت تنقلاته المهنية بدقة التوقيت في اختيار الملفات والمناصب، إذ عادة ما يكون في قلب الملف الأسخن على مائدة الأميركيين، من السودان إلى أوغندا والنيجر، إلى غواتيمالا فكولومبيا وسوريا ولبنان وفلسطين وهاييتي، كما شملت سيرته العمل في الصليب الأحمر والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والمعهد النرويجي للشؤون الدولية، من بين مناصب كثيرة أخرى.
حالياً، هو رئيس المجلس النرويجي للاجئين الذي تعدّ منطقتنا أحد أهم مراكزه الحيوية منذ اندلاع الحرب على سوريا. وبمناسبة الحديث عن منصبه هذا والحرب على سوريا، نشير إلى أنه قدّم شهادته «الإنسانية» أمام الكونغرس الأميركي عام 2014، وحضّ الأميركيين على تحمل مسؤوليتهم التاريخية والتدخل لإنقاذ السوريين.
وقد يكون دوره في قناة الاتصال المباشر بين ممثلين عن ياسر عرفات ومبعوثين أكاديميين صهاينة، وما نجم عنها من إعلان المبادئ الذي وقّع في أوسلو، إحدى أهم وأكبر الخدمات التي أدّاها الرجل للأميركيين ولكيان العدو في الوقت ذاته. وبحسب أقواله، فإن دور النرويج في بلادنا، أو كما يسميها الغرب «الشرق الأوسط»، هي الأهم في عيون الأميركيين. ففي مقال له بعنوان «النجاح في السلام كسلعة تبادلية» قال إنه بإمكان النرويج تبادل المعلومات عن الأسواق العالمية إذا ما بدت مثيرة للاهتمام، وإن مكانة النرويج في الشرق الأوسط (الناتجة من دورها كوسيط في عملية السلام) يمكّنها من الولوج الى محادثات أعلى مستوى وأكثر شمولية… وإن الدول العظمى تهتم بتقديرات النرويج في المنطقة، وبالتالي تتمكن النرويج من الحصول على معلومات تهم مصالحها. وفي تصريح آخر، أشار إيغلاند إلى أن السياسة الخارجية النرويجية أصبحت أحد أهم منتجات النرويج التصديرية، ما يؤمن لها علاقات عامة متمايزة.
قبل أسابيع قام يان إيغلاند بحملة صغيرة لإدانة اليمين الصهيوني ركّز فيها على إيتمار بن غفير. وهو، كسياسي ليبرالي استعماري أبيض، يدرك أهمية هذه المناوشات الصغيرة مع اليمين بين الحين والآخر، لأنه - بحسب نظريته - يدرك أهمية الوهم الذي تغرق فيه الضحية بأن لديها أصدقاء ليبراليين في الغرب يخوضون المعارك الصغيرة دفاعاً عنها لكي تنسى إجرام هؤلاء «الأصدقاء» بحقها. وهو بالفعل محترف في فن ادّعاء الصداقة وقلب الحقائق في آن. فبعد حرب تموز 2006، حين كان مسؤولاً في الأمم المتحدة، جمع تبرعات للبنان بقيمة 150 مليون دولار، لكنه أرفقها بهجوم غير مسبوق على حزب الله من أي مسؤول أممي آخر، إذ رأى أن حزب الله يفتخر بأنه خسر القليل من المقاتلين، بينما تحمّل المدنيون والنساء والأطفال بشكل خاص العبء الأكبر، ووصف المقاومة بالجبن. وصرّح في مقابلة مع القناة الرابعة البريطانية بأن اختباء الحزب بين المدنيين لم يترك أي خيار أمام الطيران الإسرائيلي سوى قصف المنشآت المدنية!
يبدو أن منظور إيغلاند حول ما يسمّيه بالسلام لم يتغيّر منذ المرة الأولى التي زار فيها لبنان كجندي نرويجي في قوات اليونيفيل عام 1978. إذ يقول إنه دخل الجنوب من «الجانب الإسرائيلي مع أصدقاء».