تمثل Norad للخارجية النرويجية المكافئ العملي لما تمثله الـ USAID للخارجية الأميركية، فهي مسؤولة عن التنسيق والتكامل والتمويل لمختلف المنظمات النرويجية التي تصور نفسها منظمات غير حكومية، ومنها مساعدات الشعب النرويجي ومجلس اللاجئين النرويجي وغيرهما الكثير من المنظمات الناشطة في لبنان.ملف اللاجئين هو أحد أهم مداخل النرويجيين في الشؤون الداخلية اللبنانية، ففي الشق الفلسطيني، للنرويج يد طولى في الأونروا والأمم المتحدة عموماً. وفي عام 2018 أثير الجدل حول تعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي كان صادماً لكونه أقل بكثير من عدد اللاجئين المسجّلين في الأونروا (أقل من النصف) كما أنه أقل من عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بحسب أرقام وكالة الأونروا (أقل بـ60000). فالرقم الذي توصل إليه التعداد قريب بشكل مريب من 150 ألفاً، وهو العدد المعترف به في اتفاقية أوسلو التي أشرفت عليها النرويج وقامت ببناء المؤسسات الفلسطينية الضامنة لتطبيقها، ومنها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني التي نفّذت التعداد بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي في لبنان والذي موّلته النرويج إلى جانب اليابان وسويسرا و«اليونيسف». لا يوجد إجماع حول تفسير هذا الرقم، ولكن يكفي أن نذكر موقف النرويج التاريخي من قضية اللاجئين الفلسطينيين. فقد كانت من الدول القليلة التي اعتبرت أن من واجب الدول العربية المحيطة دمج اللاجئين الفلسطينيين ليستطيع الكيان الوليد العيش بسلام، إذ إن الهجرة لم تكن نتيجة الإرهاب الصهيوني بل نتيجة طلب الدول العربية من الفلسطينيين الخروج من أرضهم. وعليه، يجب أن تتحمّل تبعات ما حصل. موقف لا يبدو أنه تبدّل كثيراً إذا ما طالعنا الأدبيات التي صدرت عن معهد كريس ميتشلسن، والتي تصف «الشرق الأوسط» كمخيم هائل Super camp، منتقدة رفض الدول العربية توطين اللاجئين ودمجهم. وهنا، الموقف يشمل اللاجئين السوريين في لبنان.
في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية يفضّل المجتمع الدولي التخلص من عبء التصدق على الكوارث الإنسانية التي تسببها أزمات اللجوء للبلدان المضيفة. كما أن الغرب احترف لعبة إشعال الفتن باستخدام ملفات اللجوء. مع ذلك كله، قد تكون لملف اللجوء وظيفة إضافية خاصة بالنسبة إلى النرويجيين الذين عبروا أخيراً عن رغبتهم في الاستثمار في قطاع النفط والغاز اللبناني.
منذ عام 2006، بدأ النرويجيون في مقاربة هذا الملف، والبداية كانت بتوقيع اتفاقيات OFD: Oil for development مع لبنان، وهي اتفاقيات تعمل من خلالها النرويج على تأسيس وهيكلة قطاع البترول الناشئ في البلدان المستهدفة على «مسطرتها». وتساهم من خلال هذه الاتفاقيات في رسم السياسات العليا وسنّ قوانين الاستخراج والضريبة والشفافية. وهي تعمل على تدريب الكوادر، وتحدد اللاعبين الأساسيين وأصحاب المصلحة، كما يمكنها تضخيم وزن جهة على حساب أخرى بمعية المنظمات غير الحكومية وتكتلاتها التي تموّلها بسخاء، خصوصاً في ما يخص الحوكمة الرشيدة للقطاع والشفافية. وبالفعل، استطاعت هذه المنظمات تشكيل لوبي مؤثر في البرلمان اللبناني في ما يخص التشريعات المتعلقة بالقطاع، والمعركة الساخنة المقبلة ستكون حول قانون صندوق الثروة السيادي الذي يملك كل فريق تصوره الخاص لكيفية توظيفه.
في عام 2013، قام معهد ILPI في أوسلو بتقييم قطاع النفط والغاز في لبنان وإصدار توصيات وملاحظات عديدة لمشروع Oil for development التابع لمؤسسة Norad للفترة المقبلة، برزت منها أربع، أُولاها ضرورة إشراف المجتمع المدني على القطاع. بعدها بعام، أنشئت المبادرة اللبنانية للغاز وشكلت مع NRGI بشقها اللبناني (كلاهما مموّل بشكل رئيسي من Norad) الثقل الأكبر لتكتل من 13 منظمة غير حكومية تمثل ما يسمى بالمجتمع المدني كلاعب أساسي مؤثر في سياسات القطاع. ثانيتها أن قطاع لبنان المصرفي من نقاط قوته لكونه قطاعاً ناجحاً ومعافى. ثالثتها أن حدود لبنان البحرية من نقاط ضعفه التي قد لا تحل وقد تعيق نمو القطاع. ورابعتها تتعلق بالمخاطر البيئية لهذا القطاع على لبنان. وقد يكون غنياً عن التكرار مواقف المنظمات التي يفترض بها تمثيل مصلحة الشعب عندما يتعلق الأمر بمحاسبة المصارف (LOGI مرتبطة عائلياً بمصرف عودة ومؤسسياً بـ«كلنا إرادة» وLIFE وبالتالي طبقة المصرفيين الجدد وحملة السندات الأجانب) أو موقفهم المعطل من اتفاق ترسيم الحدود. أما عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على البيئة والطاقة الخضراء كبديل وهمي مكلف آخر لحق لبنان الطبيعي بالطاقة، فمن الجدير التذكير بأن كثيرين من هؤلاء، وعلى رأسهم لوري هايتيان، وقفوا ضد إنشاء سد بسري الذي كان سيوفر طاقة ومياهاً نظيفة لكثير من اللبنانيين المفقرين تحت رحمة زمن العتمة والكوليرا.