لا خلاف بين المؤرّخين حيال قوة العلاقات النرويجية - الصهيونية وعمقها، إلا أن خلفيات هذه العلاقة وجذورها هي محل جدل. هذا المقال يبحث في طبيعة هذه العلاقة ودوافعها.الخلفية العقائدية والاستعمار ومشيئة الرب
عقدة الذنب تجاه الهولوكوست هي، كالعادة، أول المبرّرات. والحقيقة أن نرويجيين كثيرين تعاونوا مع النازيين زمن الاحتلال. كما أن تعاطف النرويجيين مع اليهود الأوروبيين بعد الحرب بدا قاسياً، إذ رفضوا توطين أكثر من 600 يهودي حِرفي للمساعدة في أعمال إعادة الإعمار. بل إن اللجنة التي كُلّفت اختيارهم، لم تجد أكثر من 400 حرفي، ولم تفكر في إحضار أحد من النساء والأطفال المشرّدين والجياع. مع ذلك، دعم النرويجيون حل المسألة اليهودية عن طريق وطن قومي لليهود في فلسطين، كأنما هو تنفيذٌ لمشيئة الرب. فبحسب اللوثرية الإنجيلية (وهي دين الدولة الرسمي)، فلسطين هي أرض اليهود Jødeland (عنوان لخريطة فلسطين كانت تعلق في الصفوف المدرسية) بلا عرب. ويرى بعض الباحثين أن هذه الخلفية العقائدية مهّدت الرأي العام النرويجي لتقبّل فكرة الاستعمار الصهيوني في بلادنا. 
ولكن، إذا ما قارنّا المواقف الدنماركية والسويدية حيال الصهيونية وفكرة إنشاء وطن قومي لليهود، تبدو الحقيقة مختلفة. إذ إن البلدين يعتنقان المذهب نفسه بغالبية ساحقة. ومنذ الحرب العالمية الثانية حتى نهاية الحرب الباردة، لم يبد أي منهما مواقف كالتي صدرت عن النرويج التي دعمت المشروع الصهيوني بزخم غير مسبوق في العالم الغربي. فيما عارضت الدنمارك والسويد، في المقابل، الصهيونية في مفترقات عدة.

يوتوبيا العمال، أرض اللبن والعسل 
هناك رأي آخر يرى أن الخلفية الأيديولوجية المتشابهة بين حكومات اليسار الديموقراطي في النرويج واليسار الصهيوني هي ما يفسر توأمة الكيانين من منطلق سياسي اشتراكي استعماري أبيض. والبياض، هنا، هو تفوّق الثقافة الغربية، بحسب ما تظهره أدبيات حزب العمل النرويجي في تلك الفترة. والحقيقة أن السياسيين في حزب العمل النرويجي كانوا من أشدّ الناشطين والمؤثّرين في دعم الصهيونية مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
من الرواد في دعم الصهيونية في حزب العمل النرويجي النائبة آيس لينايس Aase Lionæs (أصبحت لاحقاً رئيسة جائزة نوبل للسلام). بعد لقائها رابطة Freeland League for Jewish Territorial Colonization في الأمم المتحدة عام 1946، عملت لينايس على تشكيل موقف نرويجي رسمي صارم بخصوص المسألة اليهودية في أوروبا وقضية فلسطين، وذلك باعتماد الحل الاستعماري عبر الهجرة المنظمة.
تريغفي ليي Trygve Lie عَلَم آخر في العلاقة الحميمة بين النرويج والعدو الصهيوني، وهو قيادي في حزب العمل النرويجي، تسلّم وزارة الخارجية في حكومة المنفى في لندن، وكان في بداية الحرب وزيراً للشحن والمؤن. كما أنه أول أمين عام للأمم المتحدة. الرجل المقرب من روكفلر لم يكتف بالعمل بمشيئة القادة الصهاينة في صياغة قرار التقسيم بعكس ما طالبت به لجنة المبعوث السويدي برنادوت (الذي اغتيل بأمر من اسحق شامير)، بل عمل بشكل فعال وحثيث لضمان التصويت لهذا القرار، وأعرب عن الفخر بفعلته بعدها، معتبراً أن «دولة إسرائيل» هي طفلته. كما قام مبعوثه العسكري للقدس ألفرد روشير لوندAlfred Roscher Lund (كان على رأس المخابرات النرويجية خلال الحرب العالمية الثانية) بتسريب معلومات عسكرية وإعطاء نصائح للقيادة الصهيونية لضمان هزيمة المقاومة الفلسطينية والعربية.
حماسة قادة حزب العمل للحل الاستعماري للمسألة اليهودية أسكتت المعارضين داخله. ولم يهتم هؤلاء بالرأي العام العالمي حول المسألة، بل اعتبر بعضهم أن رأي اليهود (الذي كان معارضاً بغالبيته) ليس مهماً لأنهم لا يعرفون مصلحتهم. ولم تقتصر حماسة الحزب للمشروع الاستعماري لحل مشكلة يهود أوروبا، بل عمل على إنشاء مشروع قرب العاصمة النرويجية لاستقدام أطفال فقراء من تونس وتحضيرهم لحياتهم الجديدة وتعليمهم العبرية ثم شحنهم كمستعمرين. وفي عام 1949، تحطمت إحدى «شحنات الأطفال» هذه قرب العاصمة النرويجية، ولم ينج إلا طفل واحد. وقد شكلت هذه الحادثة فرصة لا تعوّض لشحن الرأي العام النرويجي أكثر بدافع عقدة ذنب لدعم الصهيونية. وفعلاً لم يوفر حزب العمل الفرصة. إذ شن حملة شعبية لإنشاء كيبوتس نرويجي إحياء لذكرى هؤلاء الأطفال. في تلك الفترة كانت النرويج في حالة تقشّف ما بعد مرحلة الحرب وتقنين الموارد لإعادة الإعمار، ولكن عندما تعلق الأمر بـ«إسرائيل» أبدت إيثاراً ملفتاً.
طبعاً، بعد كل ما سبق، يبدو اعتراف النرويج بـ«دولة إسرائيل» كعضو في الأمم المتحدة عام 1949 طبيعياً. وقتها، حاولت الدنمارك والسويد تأجيل طرح الموضوع في الهيئة العامة للأمم المتحدة، لكن النرويج تفوقت حتى على بريطانيا وأميركا اللتين أدانتا نقل الخارجية الصهيونية من تل أبيب إلى القدس عام 1952 وإعلان القدس عاصمة بعد نقل السفارة بأشهر. وهي لم تكتف بعدم الاعتراض، بل أرسلت مبعوثيها إلى وزارة الخارجية في القدس للتفاوض حول العلاقات التجارية، واعترفت بالقدس كعاصمة أمر واقع للكيان الصهيوني.
والفكرة تتكرر هنا. فاليسار الديموقراطي كان حاكماً في كل من السويد والدنمارك، ولم تبهره التجربة الاشتراكية الصهيونية البيضاء في فلسطين وقتها كما أبهرت النرويجيين الذين نظروا إلى هذه التجربة على أنها «أرض اللبن والعسل» كما تقول الباحثة هيلدا واغ. 
إذاً، لا الدين ولا السياسة يبرران تمايز الدعم النرويجي للصهيونية، فما الذي يبرر هذا الدعم؟

الأخوة البحرية
حلقة مفصلية في العلاقة بين البلدين ظهرت خلال العدوان الثلاثي على مصر، والكلمة المفتاح هنا هي «رابطة مالكي السفن»، والحقيقة أن الأزمة وتداعياتها لم تبدأ بالنسبة إلى النرويج مع التأميم عام 1956، ولا حتى مع إعلان مصر جمهورية عام 1954، أو حتى مع إرهاصات القرار 181 عام 1947. البدايات كانت قبل ذلك بسنوات. فقبل أن تصبح النرويج دولة ثرية بفعل النفط، كانت تعتمد اقتصادياً على أسطولها التجاري البحري الذي كان (ولا يزال) يعد بين الأكبر في العالم. ولهذا كانت لرابطة مالكي السفن كلمة وازنة في الخارجية النرويجية، بل إن رئيس رابطة مالكي السفن وقتها ليف هويغ Leif Hoegh كان بمثابة وزير الخارجية الحقيقي. 
ومنذ بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت الرابطة تحث الوزارة على تبني مشاريع وخطط مختلفة لمنع مصر من إدارة قناة السويس تحت أي ظرف، حتى بعد انتهاء عقد شركة السويس عام 1968. في المقابل، كانت الوزارة تتفق مع هذه الخطط علناً في بعض الأحيان كما ظهر في خطاب وزير الخارجية النرويجي أمام البرلمان عام 1951. فبينما رحب الخطاب بتحرر الدول المستعمَرة وأشاد بالنموذج البريطاني لمنح الإمبراطورية الاستقلال سلمياً للمستعمرات السابقة، توقف ليوضح أن هناك استثناءات تهدد أمن المصالح الغربية، وأن على رأس الاستثناءات قناة السويس إذ لا يمكن أن تمنح مصر سيادة وطنية عليها، وأن على كل أعضاء حلف الأطلسي الحفاظ على هذا الموقع العسكري الحيوي.
النرويج تفوقت على بريطانيا وأميركا اللتين أدانتا نقل الخارجية الصهيونية من تل أبيب إلى القدس وهي لم تكتف بعدم الاعتراض، بل أرسلت مبعوثيها إلى القدس للتفاوض حول العلاقات التجارية


مع إعلان قرار التأميم، انحازت النرويج إلى موقف العدوان بشكل مباشر، ولكن لاحقاً، عندما بدأ التشقّق يظهر بين مواقف ضفّتَي الأطلسي، أخذت تنتقد الإمبراطوريتَين الآفلتَين رويداً رويداً بشكل تصاعدي، وبدأت في التماهي مع موقف أميركا، سيدة البحار الجديدة، لأن مصلحتها هي ومالكي سفنها نيل رضا الأميركيين دائماً، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالملاحة الدولية… أما في ما يخص الكيان الصهيوني، فباستثناء انتقادات بسيطة بداية العدوان، لم يتم التخلي عنه ومهاجمته كما فعلت النرويج مع بريطانيا وفرنسا. بل على العكس. فقبل العدوان بأشهر، نظّم حزب العمل حملة ضخمة خلال مسيرات يوم العمال حمل فيها المتظاهرون شعار شجرة تضربها فأس دامية كتب عليها «دعوا إسرائيل تعيش». واتضح، بعد عقود، أن السفارة الصهيونية هي من أَمْلَت بهذا الشعار حرفياً على حزب العمل النرويجي. وبعد العدوان، ألقى وزير الخارجية النرويجي، بدعوة شخصية من بن غوريون، كلمة في اللقاء السنوي للحركة العمالية لمساعدة الزعيم الصهيوني في الدفاع عن موقفه أمام المعارضين، موضحاً للمستعمرين أنهم هاجموا مصر من باب الدفاع عن النفس! 
محورية الشحن البحري في السياسة الخارجية النرويجية لم يظهر فقط في أزمة قناة السويس، فهو كان محركاً أساسياً لسياساتها منذ الاستقلال أو قبله بقرن. ومع نشأة الكيان الصهيوني كان موقع هذه المستعمرة البيضاء على أهم مفاصل التجارة البحرية العالمية، وكانت الحركة الصهيونية تتخذ من لندن مقراً لها، حيث لجأت حكومة المنفى النرويجية. وقتها تشكلت علاقات الصداقة بين حزب العمل النرويجي والحركة الصهيونية، وظهرت المصالح الأخوية الكيانية. إذ كان واضحاً لرابطة مالكي السفن، والنرويجيين بالتالي، أن وجود هذا الكيان ضروري لهم، بغض النظر عن الدين والأيديولوجيا، وأنهم مثل هذا الكيان على عداء مبدئي مع أي حركة تحرر في المنطقة قبل أن تخلق، وقبل أن يظهر الزعيم جمال عبد الناصر، وحتى قبل أن يفكر بالتأميم.
استمر حزب العمل بدعم الصهيونية، إن كان من خلال توظيف الاشتراكية الدولية لتكون منبراً للحشد والدعم للمشروع الاستعماري، أو من خلال السلاح التقليدي، أو حتى عبر المياه الثقيلة للمشروع النووي الصهيوني. وأهم من ذلك كله هو ما فعله ويفعله النرويجيون لأجل ما يسمى بعملية السلام، أو بالأحرى عملية التدمير الذاتي الفلسطيني.