تعدّ مناطق الصراع الأهلي في دول الجنوب مرتعاً للتدخلات النرويجية. وقد حصدت النرويج سمعتها «الطيبة» هذه من خلال سلسلة من التدخلات المدروسة في مناطق الصراع الأهم في نظر الأميركيين، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة، لمساعدتهم في إنهاء التاريخ بقمع ما بقي من حركات تحرر وفرض الهيمنة العالمية الرأسمالية وفتح أسواق الدول الفقيرة (والفتح هنا في حقيقة الأمر هو بمعنى الغزو).ويعد تدخل النرويج في القناة السرية للمفاوضات المذلّة التي انخرطت فيها القيادة الفلسطينية مع العدو العلامة الفارقة التي دشّنت هذا البلد كقوة «صانعة للسلام»…الديموقراطي النيوليبرالي تحديداً. وذلك كما يؤكد أعلام هذه التدخلات النرويجيون، إذ كانوا ولا يزالون ينظِّرون بأن تسيّد الديموقراطية وقيم السوق الحرة في العالم (دول الجنوب العالمي تحديداً) سيؤمن معادلة سلام مستدامة لأي أطراف متصارعة. المفارقة الكبرى هنا أن اقتصاد هذه الدولة الاسكندينافية التي تعدّ أغنى دول العالم لناحية معدل دخل الفرد ومستوى المعيشة، هو اقتصاد اشتراكي مركزي التخطيط في الداخل. والمفارقة الأخرى هي أن يوهان غالتونغ، مؤسس معهد PRIO النرويجي لأبحاث السلام عام 1959، أقرّ منذ السبعينيات بأن تدخلات السلام هذه هي نوع من «العنف الهيكلي» الذي يضمن للدول الغنية استدامة بنية الاستغلال والدمار التي تخضع لها دول الجنوب، مع إظهار نفسها كمجتمع دولي فاضل.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

وحيثما تريد النرويج التدخل، وخصوصاً في عمليات حل النزاعات، فهي عادة ما تزرع منظماتها من منظمات إغاثة ومؤسسات دينية وبعثات أبحاث اجتماعية (وهذه الأخيرة تؤمن معلومات قيّمة توظف لتحقيق الأهداف النرويجية، أو الأميركية بشكل أدق)، وتحرص على أن يقوم مسؤولو هذه المنظمات في الدول المضيفة بالاتصال بقيادات أطراف الصراع بشكل مباشر، وبناء علاقات شخصية بهدف تأمين الثقة، لإقناعهم بالانخراط في عمليات السلام على الطريقة النرويجية. وكثيراً ما تعمد إلى تأمين قنوات اتصال سرية بين هذه الأطراف تحت أغطية أكاديمية أو دينية أو إنسانية من خلال منظماتها «غير الحكومية»، مستغلة حرج الأطراف من الالتقاء علناً، أو في بعض الأحيان حرج بعض الأطراف من تقديم بعض التنازلات الجسيمة علناً، في ما يعرف بدبلوماسية الواحد ونصف (مزيج بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية عن طريق المجتمع المدني).
المكاسب التي تلقتها النرويج لقاء هذه التدخلات دفعتها إلى إنشاء قسم خاص في وزارة الخارجية لحل النزاعات في الخارج. تدخلت النرويج في كل من غواتيمالا وفلسطين وسريلانكا وأفغانستان والسودان ويوغوسلافيا، ورجحت دائماً كفة الطرف المدعوم أميركياً، وفي حال كان هذا الطرف هو الأضعف، عملت على تقويته ودعم مسارات التقسيم والفيدرالية.
العلاقة الوثيقة بين المنظمات النرويجية الكبرى والحكومة تقوم على التنسيق والعمل التكاملي والتمويل من وزارة الخارجية ومنظماتها الفرعية مثل المنظمة النرويجية للتنمية والتعاون NORAD، وبعض هذه المؤسسات يتلقى تمويلاً حكومياً يصل إلى 90%. 
تعدّ منظمات Norwegian Church Aid ،Norwegian Refugee Council ، Norwegian People›s Aid ،Norwegian Red Cross ،Save the Children Norway أكبر خمس منظمات «غير حكومية» في النرويج، إذ استحوذت عام 2008 على 56% من التمويل الخاص بالمنظمات غير الحكومية. وتتحكم بهذه المنظمات نخبة سياسية مغلقة، وكثيراً ما ستجد هؤلاء المسؤولين يتنقلون بين مناصب القمة في المنظمات الكبرى والمناصب السياسية الحزبية والحكومية، إضافة إلى مناصب قيادية في المنظمات الدولية؛ على رأسها الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي.