تزامناً مع دخول قانون موازنة 2022 حيّز التنفيذ في 15 تشرين الثاني الفائت، توقّفت دائرة الأملاك المبنية في وزارة المالية عن إصدار بيانات القيمة التأجيرية التي تحصّل الدولة على أساسها الضرائب والرسوم العقارية، وذلك على خلفية تعديلات أقرّت في الموازنة تتعلّق بالقيمة التأجيرية التي كانت تحتسب سابقاً على سعر صرف 1500 ليرة مقابل الدولار.وقد أصدر الوزير يوسف خليل تعاميم حول تحديد قيمة العقار، آخرها في 21 كانون الأول 2022 وجّهه إلى الدوائر العقارية، مفاده أن العقود المنظّمة بتاريخ سابق لـ15 تشرين الثاني 2022 والمسجّلة في الدفتر اليومي في أمانات السجّل العقاري بتاريخ سابق للأول من كانون الأول 2022، تستكمل عملية تسجيلها النهائي وفقاً لسعر 1500 ليرة. أي أن أصحاب تلك المعاملات لن يتكبدوا الكلفة الإضافية التي يمكن أن تنتج من احتسابها وفقاً لسعر صرف 15 ألف ليرة. مع العلم، أن أصحاب المعاملات من غير المعتمدين على سماسرة كان من الصعب عليهم الاستحصال على بيان قيمة تأجيرية من المالية، ومعاملاتهم في الدفتر اليومي في العقاريات. ومن استطاع، فهو في الغالب إما محظي أو لجأ إلى الرشوة. وهو ما أكّدته التحقيقات الجارية في ملف فساد الدوائر العقارية. كما أن ثمّة من اعتبر أنّ المُهل الواردة في تعميم خليل تتضمن إشكالية لجهة عودتها بالفائدة بشكلٍ أكبر على المستعينين بالرشاوى والوساطات، ووفق المعلومات «طُلِبَ الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة».
بعد إقرار الموازنة، لم يبلّغ الموظفون بآليات العمل والتمييز بين الملفات. ويؤكد عدد منهم وجود «لغط حول كيفية التطبيق خصوصاً للملفات المتراكمة منذ ما قبل 15 تشرين الثاني». كما أن التعديل يحتاج إلى تحديث البرامج في النظام الإلكتروني، وهو «ما لم يحصل» بسبب استقالة اختصاصيي المعلوماتية.
وخلال العام الماضي، في خضّم إضراب موظفي القطاع العام احتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية، خصّ وزير المال المتعاقدين في المركز الآلي في الوزارة، دوناً عن زملائهم، بزيادة رواتبهم بعدما استغلوا حاجة «المالية» الملحّة إليهم كمتخصّصين في المعلوماتية. خليل خضع أمام تهديدهم بالاستقالة، ولكونهم متعاقدين ولديه وحده صلاحية زيادة رواتبهم، رفعها إلى ما يتراوح بين 12 مليون ليرة و15 مليوناً، في حين أن راتب المدير العام لا يتخطى الـ5 ملايين. الفئة التي استعملت قوّتها التفاوضية هي عبارة عن عدد محدود من الموظفين، وفّر لهم الوزير شروط البقاء كمتعاقدين، إلا أنّهم لم يستمروا طويلاً، واتّجهوا نحو القطاع الخاص، فأحدهم، مثلاً، انتقل للعمل في مستشفى الروم براتب يساوي 4 آلاف دولار. حال ذلك، وفق متابعين، دون تحديث النظام الإلكتروني بما يتناسب وآليات العمل الجديدة تطبيقاً لبنود الموازنة، ما أدى إلى توقّف إصدار القيم التأجيرية، وتوقف واردات الدولة من العقارات.
في الأثناء تتراكم الملفات في المالية، ويُنقَل عن الموظفين رغبتهم بالتخلّص من هذا العبء. مع المفارقة أنه قبل مباشرة التحقيقات في الدوائر العقارية كانت تلك الملفات تشكّل للعاملين في القيم التأجيرية باباً للرشاوى والسمسرات.