لا يزال السجال حول عدم أهلية القوات البرية الإسرائيلية لخوض حروب كبرى يحتل مساحة مهمة داخل جيش العدو وبين الخبراء. ويتم التعامل مع هذه القضية السجالية، انطلاقاً من خطورة الدور الذي يلعبه سلاح البر في حسم الحروب. ومع أن هذا التحدي يواكب رؤساء الأركان منذ ما بعد حرب عام 2006 بشكل خاص، لا يزال دور القوات البرية وجاهزيتها قضية خلافية في جيش العدو. وتنبع خطورة هذه القضية من أن التجارب تؤكد أن سلاح الجو الذي عجز عن حسم المعركة ضد المقاومة في غزة، سيكون أكثر عجزاً في مواجهة حزب الله. وبالتوازي، من الواضح أن سلاح البر غير جاهز لحسم أي معركة مع قوى المقاومة في لبنان وغزة، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي سيتلقاها ما حال حتى الآن دون أي مغامرة عسكرية كبرى.ينبع تحدي عدم جاهزية سلاح البر، بشكل رئيسي، من عوامل متوازية. خارجية، تتمثل بتغير طبيعة التهديدات والأعداء، كما يؤكد قادة العدو أنفسهم. وداخلية بفعل التحولات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي وجعلت أفراده - بشكل إجمالي - أكثر فردانية وعززت لديهم الحرص على تجنب كل ما يؤدي إلى تقديم «التضحيات» في معارك كبرى.
جديد هذه القضية، هو انتقاد أحد أعضاء هيئة أركان الجيش لرئيس الأركان أفيف كوخافي الذي تنتهي ولايته في 17 الشهر الجاري، على خلفية تحويله الجيش إلى «شركة هاي تك»، كاشفاً أن «هذا كله يأتي على حساب سلاح البر الذي هو من يحسم في ميدان القتال في نهاية الأمر»، أضف أن التهديدات أصبحت أكثر تعقيداً عما كانت عليه في السنوات الأخيرة.
يعكس هذا الخيار نظرة القيادة العليا إلى فعالية ودور القوات البرية التي ترتكز بشكل رئيسي على سلاح الاحتياط. ويتقاطع ذلك أيضاً مع ما كشفه الضابط عن تسريح «عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، وقلصنا حجم ألوية وفرق عسكرية، وهناك تراجع في المؤهلات والوحدات الخاصة»، إضافة إلى تحويل «الميزانية كلها إلى التكنولوجيات المتطورة».
تكشف هذه الانتقادات ورد الناطق باسم الجيش عليها وجود وجهات نظر متعددة في الجيش حول دور التكنولوجيا وسلاح البر والاحتياط في أي حروب قد تخوضها إسرائيل في المستقبل. ووصف الضابط الرفيع، عضو هيئة أركان الجيش، الحرب التي تنتهي بانتصار سريع خلال أسبوع، بأنها ليست إلا «فانتازيا». لكن الحقيقة الأهم في هذا المجال أن كل هذه السجالات ليست إلا أعراضاً بسيطة لنقاش أعمق داخل الجيش حول مجمل الخيارات العملياتية في مواجهة التهديدات المتعاظمة.
وما يؤكد هذا التقدير أن الانتقادات التي قدَّمها الضابط حول عدم جاهزية الاحتياط وسلاح البر، يتبناها أيضاً - كما كشف قائد كليات الأمن القومي السابق والمفوض السابق لشكاوى الجنود اللواء يتسحاق بريك - قادة فرق وضباط برتبة عقيد لا يزالون في الخدمة. إذ يصف هؤلاء وضع سلاح البر بـ«المأساوي... ويتدهور بشكل عميق»، ويشيرون إلى أنهم يخشون قول الحقيقة لرئيس الأركان الذي «يتحدث ورفاقه عن صورة غير موجودة».
الخلاصة الإجمالية لما تقدم، أن سلاح البر لا يزال غير جاهز لخوض معارك واسعة وطويلة. لكن النتيجة الأهم هي تعطيل قدرة الجيش على الحسم بمفهومه التقليدي، والتسليم باستمرار تساقط الصواريخ على الجبهة الداخلية، في أي مواجهة عسكرية، بعدما ثبت أن سلاح الجو والنيران عن بعد غير قادرين على إحباط استمرار عمليات الإطلاق.
أكثر ما برزت هذه الحقيقة بشكل جلي في جولات قطاع غزة على رغم مساحته الضيقة (حوالي 375 كلم مربعاً). لذلك، انتقد الضابط أيضاً عدم اجتياح القطاع عام 2021، معتبراً أن الامتناع عن ذلك كان خطأ. لكنه أقرّ بأن الامتناع عن دخول القوات البرية إلى القطاع في حينه، يعود إلى تخوف القيادة من الخطر الذي ستتعرض له، على رغم أن الخطة كانت تهدف إلى قتل مئات من مقاتلي حماس في الأنفاق.
لكن ما يكشف عن أن الخلاف القائم غير ظرفي ولا يتصل بساحة من دون أخرى، أن انتقادات الضابط لرئيس الأركان، كوخافي، شملت أيضاً امتناع الجيش عن أي خيارات عملياتية ضد حزب الله في الوقت الذي «يقيم بشكل هادئ في لبنان مصانع ويواصل صنع وتطوير قذائف صاروخية دقيقة وصواريخ طويلة المدى من دون أن نرد على ذلك»، محذراً من أنه «عندما تكون بحوزتهم صواريخ دقيقة فإن الحرب ستكون مختلفة».
لكن السؤال الأهم يتمحور حول خلفية تركيز الانتقاد على رئيس أركان الجيش وليس على المستوى السياسي الذي يملك القرار النهائي من الناحية القانونية في هذا المجال. ويبدو أن ذلك يعود إلى أن الجيش هو الذي يقدم تقديرات جدوى ومخاطر الخيارات أمام المستوى السياسي ما جعله متردداً ومنكفئاً ومقيداً.