قد يكون صدفة تزامن الكلام عن احتمال التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع اقتراب زيارة وفد التحقيق الأوروبي إلى بيروت. المفارقة اللبنانية البحت هي أن الكلام الذي تم تداوله عن التجديد لسلامة بدأ، بداية، على شكل إشاعة لا يمكن أن يصدقها عاقل، وصار، تدريجاً، متداولاً على نطاق واسع، وكل طرف سياسي يرمي كرة التلويح به على طرف سياسي آخر. حتى الآن، الحقيقة الوحيدة في ما يدور هي أن ولاية سلامة تنتهي بعد أشهر قليلة، في ظل فراغ رئاسي يضيف إرباكات على وضع الحاكمية. ما عدا ذلك، فإن الملاحظات السياسية تأخذ في الاعتبار مجموعة عوامل.لا شك في أن سلامة وبعض المحيطين به والمبشّرين بضرورة بقائه في منصبه من حلقات إعلامية وسياسية ومصرفية، تنتقد منذ أشهر إبعاد الحاكم عن لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية! على رغم كل الانهيار والسياسة المصرفية التي أدت إلى إفقار اللبنانيين، لا يزال هناك فريق يرى في سلامة مرشحاً رئاسياً قادراً على القيام بعملية إنقاذ. والطامة الكبرى أن سلامة نفسه كان يستند إلى وعود بترئيسه، وكل «هندساته المالية الجديدة وتعاميمه الأخيرة تصب في هذه الخانة، وهو يرى أن «خروجه الآمن»، بحسب تعبير سياسي، يكون بالانتقال من مصرف لبنان إلى قصر بعبدا.
ومنذ مدة قصيرة، بدا أن سلامة يفتش عن خروج آمن من دون أن يندرج انتخابه رئيساً في خريطة الطريق هذه. بدا أن ثمة اقتناعاً لديه بأن لحظة النهاية تقترب، في وقت بات التفتيش الحقيقي عمّن يسهل هذا الخروج ويضمن له إنهاء ولايته من دون تبعات، بغضّ النظر عن أي تحقيق أوروبي حوله. ووصل الكلام إلى نقاش حول وضع سقف حماية عليه يشبه ذلك الذي استخدم لتغطية مفاعيل الترسيم البحري، بحيث يحظى بخيمة دولية تجعله لا يمس. عدا ذلك، يمكن الرهان على انهيارات متتالية لا يمكن لأحد وقفها.
أصبحت لموعد انتهاء ولاية حاكم المركزي، في ظل الفراغ الرئاسي، أهمية مضاعفة، بين الذهاب إلى الحد الأقصى من الابتزاز السياسي والنقدي، وبين إيجاد آلية حل سياسي. حين بدأ الترويج للتجديد له، رُميت الكرة في ملعب الرئيس نبيه بري أولاً، وحزب الله ثانياً، أو الثنائي سوياً، ثم جرى التذرع بتغطية مارونية لهذا التجديد، بحجة أن الموارنة لا يمكن أن يرتضوا حلول نائب الحاكم الأول الشيعي مكان الحاكم الماروني.
لا يزال هناك فريق يرى في سلامة مرشحاً رئاسياً قادراً على القيام بعملية إنقاذ


لا يمكن الركون إلى موقف القوى المارونية مجتمعة من أي احتمال يتعلق ببقاء سلامة في منصبه تحت أي ذريعة، علماً أن شخصيات من هذه القوى «لا تصدق» أن الثنائي الشيعي أو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رفضا حلول النائب الشيعي أو الدرزي مكان سلامة كي لا يتحمل أحدهما تبعات ما سيحصل من انهيار. هذه الذريعة لا تجد صدى مقبولاً، حتى من حلفاء الطرفين الموارنة. لكن، في المقابل، فإن التفتيش عن أسباب لإبقاء سلامة في منصبه ستقع على عاتق القوى السياسية المارونية التي وضعت غالبيتها خط دفاع عن سلامة منذ سنوات، وتواصل ذلك. علماً أن «نقطة ضعف» مؤيدي سلامة في المطلق من المرشحين الرئاسيين، علناً أو سراً، غير قادرين على الدفاع عنه في وجه حقيقة دوره في الانهيار المالي. وحجج هؤلاء، كمرشحين أو حتى كسياسيين ومصرفيين، لدى الكلام عن القطاع المصرفي، تتراوح بين الدفاع عن المصارف عموماً بوصفها «قطاعاً مسيحياً» على رغم أن هذه الصفة مرّ عليها الزمن بفعل تغير هوية أصحاب المصارف وشركائهم، وبين الإفادة من الممارسات المصرفية الطويلة الأمد. لذا فإن أي إيحاء باحتمال التجديد لحاكم المركزي، على رغم كل ارتكاباته، وابتداع أساليب غير دستورية وغير قانونية بذرائع واهية، لا سيما بحجة أنه ماروني، يضع مهمة مضاعفة على القوى المارونية قاطبة، بدءاً من بكركي وصولاً إلى القوى السياسية في المعارضة أو الموالاة. وهذه القوى تتحمل مسؤولية في سحب هذا الكلام من التداول أولاً، وثانياً في قطع الطريق على أي من هذه المحاولات، والوقوف ضد أي نية لدى أي طرف بتحويلها إلى حقيقة واقعية. فالمعارضة الحالية وقفت ضد رؤساء جمهوريات ووزراء ونواب موارنة زمن الوجود السوري، وسلامة لا يقل خطراً عما كان عليه أولئك. والتيار الوطني الحر الذي يدّعي أنه أُرغم على التجديد لسلامة ويتحرك اليوم ضده، يتحمّل قسماً من مسؤولية أي منحى في هذا الاتجاه. ومسؤوليته تكمن، كما المعارضة، في الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية والذهاب بعدها إلى برمجة التعيينات.
الخطورة أن يكون الثمن في كل ما يجري اليوم تضافر جهود الجميع، من دون استثناء لتأمين، خروج آمن للحاكم على رغم كل ارتكاباته، وإلا التلويح بأن يبقى حاكماً.