عند مفترق أزقة، يجلس وليد (اسم مستعار) في صيدا القديمة. يومياً ولساعات طويلة، يتكوّم جسده فوق كرسي ذي قاعدة حديدية متينة. يغطي كرشه الضخم بيديه، ويومئ للمارّة برأسه مبتسماً، ليردّ السلام. منذ سنوات، حجز وليد (51 عاماً) هذه الزاوية بعدما سُرّح من وظيفته في شركة للتنظيف. لا يتركها إلا ليتناول الطعام أو لينام. سابقاً، كان يفرض على نفسه برنامجاً منتظماً للأكل، بالتوازي مع تجربة صنوف متنوعة من وصفات التنحيف، يُضاف إليها أعشاب طبيعية كخلّ التفاح.
(الأخبار)

لم تنفع معه أي وصفة. يسارع للتنويه بأنه لا يكترث لبدانته، ولا يراها مرضاً، بما أنّها لا تسبّب له أو لأي أزمة. يتحدّث طويلاً عن ارتياحه مع وزنه الذي يزيد عن الـ150 كيلوغراماً، لكنه سرعان ما ينزلق لسرد المعاناة منذ طفولته. حينذاك، لم يكن يعثر على لباس مناسب بسهولة «كانت أمي تشتري لي بزتان وبنطالان من نفس اللون نفسه، ثم تعيد خياطتهما لتصبحا قطعة واحدة على قياسي». لاحقاً، أصبح يعثر على لباس بقياسات كبيرة في المحال التي تبيع ألبسة أميركية، «لكنها غالباً ما تكون غالية الثمن». يشير وليد إلى أنه خشي من إجراء عملية تصغير المعدة، كما خشي من الزواج. لا يمكنه إخفاء حسرته لأنه يخشى الزواج. «لم أتقدّم في الأساس لخطبة أي امرأة. أخاف من الفكرة بحد ذاتها. من البديهي بألا تقبل بي».

عريسان وليس واحداً
في المقابل، لم تكن الكيلوغرامات الزائدة لدى ثريا (اسم مستعار) عائقاً أمام زواجها لمرتين. كلا الزوجين أنحف منها بعشرات المرات. ابنة الـ32 عاماً، تزن حالياً 123 كيلوغراماً بعدما وصل وزنها إلى 140 كيلوغراماً قبل سنوات. في سنين مراهقتها، لم تكن بهذا الوزن، لكنها كانت ممتلئة، ما دفع والدتها إلى إقناعها بإجراء عملية تصغير المعدة في سن الـ19. «خفت بألا تنفق (تتزوج)» قالت والدتها. لم تكن العملية الحلّ. عانت من مضاعفات كادت تودي بها، فضلاً عن أنها ضاعفت وزنها. «لم يطيّر وزني العرسان» تقول ثريا متفاخرة أمام والدتها.
تقرّ بأن تنمّر والدتها وأقربائها أثر سلباً عليها في سن المراهقة، وفي بداية عشرينياتها، قبل أن تتحرّر من عقدة الشكل وتتقبل نفسها. في السنوات الأخيرة، لم تعد ثريا تفرض أي ضوابط على طعامها ولا سيما الحلوى والوجبات السريعة برغم إدراكها لمخاطرها. تقرّ أيضاً بأن تقبّل زوجيها لجسدها كان الداعم الأول لها. «أحبا جسدي. حتى في أيام المدرسة، كان لدي الكثير من المعجبين». تشير والدتها إلى أن ثريا «طالعة لأبيها». عانت الوالدة مع زوجها، سواء في علاقتها الخاصة، أو في تدبير شؤونه اليومية كتحضير الطعام واللباس.

الموضة للجميع
عقدة العثور على الألبسة، أكثر ما يعاني منه صاحب الوزن الزائد. تقاطعنا سمر عبدالله لتقول: «هذا كان زمان قبل الـXXXXXXXL» وهو اسم متجر الألبسة الذي تملكه في النبطية وبيروت، قبل أن تقفل فرع صور. عبدالله المعروفة بين زبائنها بـ«سمر XL» لفتت إلى أن شقيقها وشريكها في القطاع، قرّرا افتتاح متجر خاص بالألبسة بقياس كبير عام 2006. الشقيقان كانا يتاجران بالألبسة ذات القياس العادي.
افتتحت سمر وشقيقها محلاً للملابس الكبيرة بعدما لمسا معاناة الأصدقاء

وبعدما لمسا معاناة بعض الأقرباء والأصدقاء البدناء، قرّرا افتتاح خط خاص بهما. اضطرا للسفر إلى تركيا لاستيراد البضائع التي لم تكن متوافرة في المصانع اللبنانية. وعلى نحو تدريجي، تنوّعت التشكيلة الرجالية والنسائية لتشمل جميع أنواع الألبسة من «اللانجري» إلى فساتين السهرة ووفق آخر صيحات الموضة، كما تؤكد سمر. «لا أعرض عباءات»، تجزم. فالعباءة السوداء كانت مرادفاً لدى البعض للبدانة أو لإخفاء عيوب الجسم. تعتمد هذه الإستراتيجية «لتشجيع الممتلئات على ارتداء الألبسة الملونة والمزركشة والتي تظهر قوامهن بشكل مرتب. وهذا ما يعزّز ثقتهن بأنفسهن، وبأنهن لسن أقلّ من النحيفات في اختيار ما يرغبن بارتدائه».

مشكلات وحلول
تستعرض سمر مواقف عدة عايشتها مع الزبونات البدينات. منهن السعيدات الواثقات، ومنهن المكتئبات. وفي الحالتين «حللت مشكلة كبيرة لهنّ»، تقول. إحداهنّ أسرت لها بأن «زوجي كان يحلم بأن ألبس له Baby doll». حققت سمر حلم تلك السيدة برغم أن قياسها X8. «بدي فش خلقي وألبس» قالت لها زبونة أخرى، مدخولها محدود. «أجمع المال بالألف ليرة لكي أشتري ثياباً جديدة. زوجي يعتاش من البيع على عربة خضر. مع ذلك، يشجعني على الاهتمام بمظهري». لا تستخف سمر بمعاناة البدناء بالحصول على هندام جميل في ظلّ التنمر والانتقادات التي تلاحقهم. أحد الزبائن، دخل إليها بحذاء شدّه حول قدمه بسلك حديدي. برغم أحواله الميسورة، لم يكن يجد أحذية بقياس كبير.
تقرّ سمر بأن أسعار الألبسة ذات المقاس الكبير أغلى من الألبسة العادية. «فهي تستهلك كمية قماش أكبر. فضلاً عن أن نوعية القماش يجب أن تكون جيدة لكي لا تتمزق بعد تكرار ارتداء القطعة».