يرث الكثير من الناس الأراضي والعقارات، وفي بعض الأحيان المؤسسات من أهاليهم، أما أنا فكانت ورثتي الوحيدة هي الوزن الزائد، والقدرة الاستثنائية على تكديس أرطال الدهون مع كلّ «مرور» بالقرب من طاولة طعام. منذ الطفولة الأولى وشهيتي على الأكل لا حدود لها، فكنت دائماً صاحب «القياسات الكبيرة»، وحجم الجسم الـ«إكس لارج» مع ما يستتبعه هذا الأمر من تنمّر مدرسي صادر عن «أصحاب الأجسام النحيلة». إلى أن أتت تلك اللحظة وسمعت أحدهم يشير إليّ بـ«هيدا الشاب الضعيف الواقف هونيك». كانت أجمل جملة سمعتها في حياتي، للوهلة الأولى لم أصدق أنّها قيلت في حقي. «أنا ضعيف!». أما المفاجأة الكبرى، فكانت عندما سمعت الجيران يتهامسون عند مدخل المصعد على وضعي الصحي «المحزن». فتقول إحداهن: «يا حرام كيف صاير»، ويردّ زوجها: «ايه كل يلي بياخدو علاج هيك بيصيرو». لم يفكرا بسؤالي عن سبب تغيّر وزني، بل ذهبا للاستنتاج مباشرةً بأنني مريض. لم أشعر بالإهانة أبداً، وعلى العكس تماماً كنت أرى الأمر من جهة أنني حقّقت إنجازاً.
الرهانات الخاسرة
حاولت مراراً تخفيف وزني عبر «الريجيم الشعبي». تارةً أتوقف عن تناول الخبز وأخرى أمارس الرياضة، حتى إنني راهنت سنوياً على مفاعيل شهر رمضان في إنقاص وزني وخسرت الرهان، وكانت الأمور ترتدّ بشكل سلبي على الدوام. وزني لا يعرف التحرك نزولاً أبداً، أرقامه تصاعدية كحال سعر صرف الليرة اللبنانية اليوم. إلى أن تصالحت مع الموضوع وأخذت القول الشعبي: «الزلمي بلا كرش مثل البيت بلا عفش» شعاراً للمرحلة. حينها اعتبرت أنّ الأطعمة هي زينة الحياة وملذاتها، ولا مشكلة في إشباع هذه الشراهة كلّما نادت المعدة. بقيت مشكلة واحدة لم أعتد عليها أبداً وهي قياسات الملابس، فبعد الترحيب في أيّ متجر للثياب كنت أسمع جملة من اثنتين: «ما عنا قياسك» أو «أنت إكس أو اثنين؟«. في الحالة الأولى كنت أقاطع المتجر، وأمنع عنه الاستفادة من ليراتي. تابعت حياتي بشكل طبيعي، إلى أن تداخلت الوراثة مع السّمنة مجدداً وأعطتاني مرضاً جديداً في معدتي بدأت معه رحلة علاج برفقة طبيب لا يؤمن بكثرة الأدوية والعمليات، بل بتغيير نمط الحياة.

الرحلة الجديدة
طلب منّي الطبيب تخفيف وزني لتسريع التعافي فعدت إلى «الريجيم البلدي» واستبدلت الخبز الأبيض بالأسمر، الأخفّ والأسرع مروراً في الجهاز الهضمي، وبما أنّ هذا الخبز هو لـ«الريجيم» فكنت أتناول «ربطة» بكاملها عند كلّ وجبة. طبعاً لم يتغيّر وزني نزولاً، وبقيت الاضطرابات الصحية على حالها، إلى أن دفعني أحد الأصدقاء لتجربة الذهاب باتجاه أمر جديد لم أجربه سابقاً وهو «اختصاصية التغذية». ترددت أولاً، لا أريد تضييع وقتي في تجربة وصفات الجوع وشراء الأطعمة المخصصة لإنزال الوزن على شاكلة الأجبان بلا دسم أو أكل الخُضر والفواكه فقط، ولكن اقتنعت أخيراً بعد إجراء صورة صوتية للبطن تبيّن فيها وجود دهون على الكبد. حينها اعتبرت أنّ الخطر أصبح داهماً فلا يوجد عندي سوى كبد واحد! قصدت مكتب الاختصاصية واشترطت عليها قبل كتابة اسمي في الملف بأنني لا أتحمل التجويع. بعد أخذ وزني الذي وصل إلى حدود الـ120 كيلوغراماً ومقاسات جسمي، بدأت الصدمات تتوالى. منعتني من ممارسة أي رياضة في الشهر الأول من النظام الغذائي، وطلبت أن آكل كل ما ستذكره في الحصص اليومية حتى لو شعرت بالشبع، وطمأنتني إلى عدم طلبها أطعمة من خارج محتويات المنزل الكلاسيكية، وفرضت عليّ زيارة أسبوعية في البداية.
دقّ ناقوس الخطر مع كشف الصورة الصوتية بدء تكوّن الدهون على الكبد


لم يزعجني الأمر وبدأت فعلاً بتطبيق هذا النظام الصارم لناحية تنظيم الوجبات وتوزيعها على ساعات النهار. صرت أحمل معي «زوادة» أينما ذهبت، تحتوي على الحصص الغذائية اللازمة لهذه الفترة من اليوم، اشتريت ميزاناً لمراقبة تطوّر وزني. وبالفعل بعد مرور أسبوع بدأ وزني بالتراجع، ما أعطاني دافعية أكبر للمتابعة. أصبت أرقاماً لم تكن تخطر في أحلامي حتى، ومع الشهر الثاني للنظام خسرت 10 كيلوغرامات، ولكن الفرحة الأكبر حانت عند تحول وزني من 3 أرقام (أي فوق الـ100) إلى رقمين.

العودة الممنوعة
هذه التطورات ساعدت في متابعة النظام وتثبيت عدم العودة إلى المشهد السّابق، وكي أمنع أي محاولة غادرة من نفسي الطالبة للأطعمة دائماً، قمت بالتخلص من الملابس القديمة كلّها لقطع الطريق بشكل نهائي. أما الناس فلا حلول معهم، فإن زاد وزنك فسيقولون «نصحان»، وإن خفّ فسيخبرونك أنّك «كنت أحلى». هذا عدا المفاجآت التي تحدث عند لقاء أشخاص لا يذكرون إلا صورتك القديمة، وكيف ستكون ردة الفعل لو رأيت صديقاً خلال عيادة مريض في مستشفى بشكلك الجديد، وكيف ستقنعه أنك بخير ولست مريضاً!
إذاً نجحت المحاولة وفعلتها أخيراً، واستطعت إنزال وزني والمحافظة عليه، أقلّه حتى الآن، دون تدخل جراحي أو استخدام أدوية أو استهلاك أطعمة خاصة. احتاج الأمر إلى الكثير من مقاومة مغريات الأطعمة ولكن بعد فترة قليلة يتحول الأمر وحده من نظام غذائي إلى طريقة حياة، وحينها فقط ستكون النتيجة مضمونة.