«140 حدثاً (قاصراً) في مبنى الأحداث في سجن رومية ينتظرون يوم الميلاد» تقول منسقة البرامج في جمعية الأب عفيف عسيران ريتا فرحات لـ«القوس». «هذه المناسبة تحمل الفرح إلى قلوب الأولاد، فنحضر لهم هدايا العيد ونفرح معهم، همّنا الأساسي تحسين وضعهم النفسي، واستعادة ثقتهم بنفسهم ومجتمعهم». وتضيف: «الأوضاع الاقتصادية في لبنان أثّرت في كل شيء، حتى في أوضاع الجمعيات التي تساند الأحداث، كل شي تغيّر اليوم. نسعى كجمعية منذ تأسيسها عام 1967، ومع جمعيات أخرى، إلى تأمين الحاجات الأساسية للأحداث، نقدم لهم خدمات الدعم النفسي، والمساندة الاجتماعية، والتعليم المهني لعدد من المهن». وتشير إلى أن الأمر يزداد سوءاً بسبب تخفيض عدد الأيام التي تعمل فيها الجمعيات مع الأحداث، وتضيف: «هؤلاء رافقهم الظلم طوال حياتهم: فقر وبطالة وطلاق وحرمان من المدرسة ومن أدنى حقوقهم. نقف إلى جانبهم لمساعدتهم على إكمال حياتهم». الأحداث يشغلون طابقين في مبنى داخل رومية، طابق للمنامة عبارة عن 12 غرفة، في كل غرفة 12 حدثاً، وإذا زادت الأعداد يزيد شاغلو كل غرفة. أما الطابق الثاني فهو عبارة عن غرف للمساندة النفسية للأحداث تقدمها أخصائية نفسية، وهناك غرف لتعليم عدد من المهن (قص الشعر، كمبيوتر، محو أمية).تناشد فرحات تأمين حاجات أساسية لهؤلاء الأولاد، إذ «هناك حاجة لـ 50 فرشة للنوم، أحذية شتوية، وحرامات تحميهم من برد الشتاء».

تحديات إعادة التأهيل
تتحدث منسقة قطاع الحماية والوصول إلى العدالة في الحركة الاجتماعية شارلوت طانيوس عن تجربتها في مجال الخدمة الاجتماعية التي ناهزت العشرين عاماً. فهي واكبت ولادة قانون الأحداث 2002/422 الذي شرّع اتخاذ التدابير غير المانعة للحرية بحق الأحداث: «كحركة اجتماعية تأسّست عام 1994، نعمل على البرنامج التأهيلي للأحداث من أجل إعدادهم ليكونوا منتجين ونسهّل اندماجهم في المجتمع». وتشير طانيوس إلى «وجود معوقات تواجه عمل الجمعيات في رومية، بعد أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية، إذ تم حصر عملها في يومين فقط من الساعة 9 وحتى 12:30، بعدما كانت تعمل طوال أيام الأسبوع من الساعة 8:30 وحتى الساعة 2:30، بسبب نقص عديد العناصر الأمنية»، معتبرةً أن «هذا الوقت لا يساعد في تحقيق الأهداف من البرامج ولا يسهّل عمل الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين مع الأحداث الذين يتشاركون أيضاً أزمات مع غيرهم في سجن رومية لجهة تأمين الدواء والطعام».

ثغرات قانونية
تشرح المحامية المتخصّصة في القضايا الجزائية وحقوق الطفل ألين عبس الأسطا لـ «القوس» الجانب القانوني المتعلق بمحاكمة الأحداث، إذ «يحاكم الحدث في لبنان استناداً إلى قوانين خاصة وفق قانون الأحداث الصادر في 2002 ويحمل رقم 422، ووفق القوانين العامة كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية لا سيّما في موضوع المخدرات، عندما يكون الحدث شريكاً مع راشدين في الجرم».
وفي ما يتعلق بموضوع توقيف الحدث والتحقيق معه، تشير القسطا إلى أن «التحقيق يجري في المفارز القضائية وليس في المخافر حيث يتم تدوين الحادث وتحويله إلى مفرزة المحافظة، بحضور مندوبة اجتماعية تعمل على تدوين ملاحظاتها في حال كان هناك أي ضغط أو عنف بحق الحدث خلال التحقيق الأولي». وتلفت القسطا إلى «وجود ثغرة قانونية في القانون لجهة إلزامية أن يكون مع الحدث محام خلال التحقيقات الأولية. إذ من النادر أن يحضر المحامي إلا إذا طلب الحدث ذلك فتستجيب القوى الأمنية»، معتبرةً أن «إلزامية وجود محام في التحقيقات الأولية مع القاصر أمر مفيد له، كما في المحاكمات التي لا تجري من دون محام يترافع عن الحدث».
وحول الأحكام التي تصدر بحق الأحداث، تشير القسطا إلى أنه «في الجنح، يمنع على قاضي الأحداث إصدار عقوبة بحق القاصر، وعليه أن يقرر التدابير غير المانعة للحريات التي تتراوح ما بين اللوم، الوضع تحت الاختبار، تدبير الحماية، الحرية المراقبة، والعمل لمنفعة عامة. أما في الجنايات، فيستفيد الحدث من العقوبات المخفّضة التي نص عليها القانون». أما «إذا كان الحدث مشاركاً مع غير الأحداث في جرم واحد أو في جرائم متلازمة، فيخضع الحدث مع الراشدين إلى إجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة أمام المرجع العادي. وعلى هذا المرجع أن يطبّق بالنسبة له الضمانات الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون ومن ضمنها سرية المحاكمة عند استجواب الحدث» (المادة 33 من قانون الأحداث 2002/422).

مصلحة الأحداث في قصر العدل
لا يبدو أن وضع مصلحة الأحداث في قصر العدل أفضل حالاً من بقية مؤسّسات الدولة، فهي -كالمرافق القضائية- تفتقر إلى أدنى المقومات التي تساعد على إنجاز العمل، فلا كهرباء لتشغيل الكمبيوترات، ولا مازوت لتشغيل الموتورات، فضلاً عن نقص كبير في الإمكانيات المادية واللوجستية. وفي ما خص الكادر البشري، يتألف عديد المصلحة حالياً من رئيسها وموظف واحد فقط يعمل على إدخال المحاضر الورقية التي ترد إلى المصلحة من المحاكم ودوائر التحقيق والنيابات العامة. وفي هذا الإطار تؤكد أوساط متابعة «وجود تراكمات في إدخال الملفات منذ العام 2019، بدأت مع أزمة كورونا وهي مستمرة مع الأزمة الاقتصادية».
وتمارس المصلحة دوراً تنسيقياً بين الوزارات المعنية بالأحداث كالصحة والتربية والدفاع والعمل وغيرها من الوزارات والبلديات إلى جانب المنظمات الدولية لتنفيذ برامج إعادة التأهيل للأحداث، كما تشجع القضاة على ممارسة الإجراءات البديلة التي لا تمنع الحريات للأحداث.

محاكمة الأحداث
يتألف قضاء الأحداث من قاض منفرد ينظر في المخالفات، ومن الغرفة الابتدائية لدى محكمة الدرجة الأولى التي تنظر في الجنايات.
يؤكد قاضي أحداث أن «قضاة الأحداث لم يتوقفوا عن العمل رغم الأزمات. وحتى في ظل اعتكاف القضاة، استمر العمل في قضايا الأحداث المعرّضين للخطر في كل المناطق، وتواصلت جلسات المحاكمة للأحداث المخالفين الموقوفين، فيما طال الاعتكاف فقط حالة الأحداث المخالفين للقانون بجرم أو جناية ولكنهم غير موقوفين».
وفي ما يتعلق بمجريات المحاكمة، يشير القاضي إلى أنّه «يرتكز على التقرير الاجتماعي الذي يوضح عادة البيئة الاجتماعية والأسباب التي دفعت القاصر إلى ارتكاب الجرم جنحة كان أم جناية. كل ملف له خصوصية، ولا يوجد ملف يشبه الآخر».

لجنة الأحداث في نقابة المحامين
بعدما كشفت «القوس» في مقال بعنوان «قصر عدل بعبدا: انتظار في العتمة» (19-11-2022) عن وجود «قاصرين بعمر 16 و17 سنة، إلى جانب قاصر بعمر الـ 13 يعاني من حالة تبول لا إرادي ليلي في قصر عدل بعبدا»، تحركت لجنة الأحداث في نقابة المحامين وعملت على تقديم إخلاء سبيل لهم، ومتابعة ملفهم القانوني، واليوم أصبح اثنان من هؤلاء خارج الزنزانة.
تتحدث رئيسة لجنة حقوق الطفل والأحداث في نقابة المحامين المحامية نادين دكروب عن دور اللجنة في حماية الأحداث وحقوقهم من خلال تسهيل محاكماتهم وتأمين محامين للتوكل عنهم، بالتنسيق مع لجنة المعونة القضائية في النقابة، مشيرة إلى «جهود بذلت من أجل تضمين طلب المعونة القضائية خانة قضايا الأحداث لتسهل على المحامين الترافع في هذه القضايا».
تتحدث دكروب عن إهمال مزمن يطاول شريحة الأطفال في لبنان، مشيرةً إلى «وجود مشكلات حقيقية على مستوى التنسيق بين الجهات العاملة في قضايا الأحداث في لبنان، فضلاً عن وجود مشكلة في أماكن توقيف الأحداث في المناطق قبل إحالتهم إلى رومية، خاصة في المخافر». وتتابع: «تحدث القانون عن الحدث المخالف للقانون والحدث المعرض للخطر. يتم تسليط الضوء على النوع الأول بينما هناك أطفال معرضون للخطر يحتاجون للحماية من خلال طلبات حماية يصدرها قضاة الأحداث. نتابع كلجنة حالات عديدة تحتاج للسرعة في إصدار قرارات الحماية خاصة لصغار السن، وقد أثّر اعتكاف القضاة من دون أدنى شك على تحصيل طلبات حماية لهؤلاء الأطفال».
وتختم: «الأحداث يحتاجون من الجميع الدعم والاحتضان، كل جهة من موقعها قادرة على دفع قضية هؤلاء الأطفال سواء في الاحتضان أو تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وحتى الدعم المالي، نعمل على نشر الوعي القانوني والمعرفي حيال هذه القضية التي تستحق كل اهتمام».

اتحاد لحماية الأحداث
يتولى اتحاد الأحداث منذ تأسيسه عام 1936 على يد الرئيسين ألفرد نقاش وسامي الصلح والأب أندريه لوجنيسال، مهمة حماية الأحداث الذين هم على خلاف مع القانون. في فترة لاحقة، استعانت الدولة بالاتحاد لتأمين الخدمة الاجتماعية لدى محاكم الأحداث ودرس ومعالجة قضايا الوقاية والأخطار وإصلاح الأحداث من خلال المرسوم الاشتراعي رقم 119 تاريخ 16 أيلول 1983 المتمم بالقانون رقم 182 تاريخ 22 كانون الأول 1992.
بعد صدور قانون الأحداث في العام 2002، «يستمر الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان في ممارسة المهام التي كانت منوطة به بحسب القوانين السابقة والتي تقتضيها أحكام القانون الحالي، دون أن يحول ذلك دون أن تجري وزارة العدل اتفاقات مباشرة مع مؤسّسات أو جمعيات أخرى متخصصة للقيام ببعض المهام السابق ذكرها وفق المعايير العامة التي تحدد بموجب مراسيم تصدر بناء على اقتراح وزير العدل» ( المادة 53 من قانون الأحداث).
الأحداث يحتاجون من الجميع الدعم والاحتضان كل جهة من موقعها


تشرح رئيسة الاتحاد السيدة أميرة سكر طبيعة عمل المندوبين الاجتماعيين التابعين للاتحاد، مشيرة إلى أن «عدد المندوبين الاجتماعيين 30، وهم موزعون على المحافظات الست، كما يوجد في قصور العدل مكتب لاتحاد الأحداث، وتقول: «عندما يمثل الحدث أمام الضابطة العدلية يتوجب الاتصال بالمندوب الاجتماعي لحضور التحقيق الأولي، ويعمل المندوب على تكوين ملف اجتماعي للحدث، وفي حال تبيّن أن التحقيق الأولي جرى من دون وجود مندوب يتم إلغاؤه، وفي حال لاحظ المندوب وجود آثار عنف على القاصر يحق له توقيف التحقيق وطلب طبيب شرعي لمعاينة القاصر».
وتلفت سكر إلى أن «الاتحاد يخضع المندوبين الاجتماعيين لدورات تدريبية بشكل مستمر، وفي ظل الظروف الصعبة، فتح باب التطوّع في مجال الخدمة الاجتماعية، للمساعدة في إعداد التقارير بهدف تسريع العمل في ملفات الأحداث، في ظل العدد المحدود للمندوبين الاجتماعيين».
وفي ما يتعلق بالتحديات التي تواجه عمل الاتحاد فأبرزها «الوضع الاقتصادي الذي يؤثر على كل شيء، اعتكاف القضاة الذي انعكس على واقع المحاكمات، وعدم توفّر مراكز لحماية الأطفال المعرضين للخطر».



سرقة كيس «تشيبس»
«بدي كيس تشيبس وعصير، اتركوني، أنا مش حرامي»، صرخ ابن التسع سنوات في محضر قاضي الأحداث. لم تسعفه رجلاه للهرب يوم الحادثة، فالدكانة مقابلة لفصيلة الدرك. سبقه ذلك القدر المتجسّد بشكل صاحب المحل، وقاده بكل ما أوتي من انعدام إنسانية، وكأنه قابض على مجرم يلاحقه منذ سنوات. صرخ الطفل رغم خوفه صرخةً هزّت أركان العدالة وتفوقت بارتداداتها على كل المواثيق والمعاهدات التي ترعى حقوق الإنسان. عبّر الطفل عن حاجته لأدنى حقوق الإنسان، كادت تلك الأمنية بـ «كيس التشيبس» أن تلامس حدود الأمنيات.
طفل لم يفقه بعد معنى الأسباب المانعة للطفولة، فلا الفقر يعتبر سبباً يمنعه حقه في الحصول على «كيس شيبس»، ولا ظروفه العائلية الصعبة في بلد منهار تجعله يحجب نظره عن «علبة العصير» التي ينظر إليها وكأنها أقصى الأحلام. فما كان من القاضي إلا أن دعا إلى دراسة ظروف الطفل وتقديم المساعدة له ولأسرته من خلال إحدى الجمعيات.