قوى الأمن الداخلي قوى عامة مُسلّحة تشمل صلاحياتها جميع الأراضي اللبنانية والمياه والأجواء الإقليمية التابعة لها وتمارس مهامها في مجال:1. الضابطة الإدارية: بهدف تأمين الراحة العامة، حماية الحريات في إطار القانون، منع ارتكاب الجرائم والسهر على تطبيق القوانين والأنظمة.
2. الضابطة العدلية: ممارسة مهام النائب العام في غيابه في الجرائم المشهودة، استقصاء المعلومات عن الجرائم خارج الجرم المشهود، تنفيذ التكاليف والإنابات والأحكام العدلية وتوقيف المطلوبين.
3. تقديم الدعم والمؤازرة للسلطات العامة أثناء تنفيذ مهامها وحراسة السجون والهيئات الدبلوماسية.
أوكل القانون إلى هذه القوى صلاحيات جمّة، منها احتجاز المشتبه فيه (24 ساعة احتجاز إداري، فاقد الوعي، مثلاً، نتيجة تعاطي الممنوعات في انتظار أن يستعيد رشده) وتقييد حريته، تفتيش منزله وتفتيشه جسدياً لضبط الأدلة والممنوعات، وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية وتنظيم قوى الأمن الداخلي. هذه الصلاحيات التي تتناول حرية الإنسان وخصوصيته، جعلت المشتبه فيه ضعيفاً أمام الضابط العدلي المحقق، وكم من مرة تعرّض المشتبه فيه للعنف والابتزاز والتهديد بفضح قضاياه الشخصية، علماً أنه يمثل من دون محام أمام الضابط العدلي، الذي يكون رتيباً أو ضابطاً في قوى الأمن الداخلي.
بتاريخ 16/10/2020، أقرّ المجلس النيابي القانون رقم 191 الذي يرمي إلى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع، فأوجب تسجيل استجواب المشتبه فيه بالصوت والصورة وإمكانية حضور محاميه لكل مراحل الاستجواب، اعتباراً من 16/12/2020. غير أن أكثر من 90% من مراكز الضابطة العدلية غير مُجهّزة بهذه التقنيات، بل حتى من دون تيار كهربائي أحياناً كثيرة، ما استوجب صدور تعميم النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، بتعليق مفاعيل القانون لجهة التسجيل للاستجواب، والإبقاء على حق المشتبه فيه بتكليف محاميه حضور كل مراحل التحقيق العدلي.
إنّ المحافظة على حقوق الإنسان أثناء التقصّي والاستجواب أمر مُلزم، وأيّ خرق لهذه الحقوق عرضة للملاحقة المناسبة.
فمن ُيراقب قوى الأمن الداخلي أثناء تنفيذ إجراءاتها، ولا سيّما في مجال الضابطة العدلية؟
تقع مسؤولية حفظ الأمن الداخلي على عاتق وزير الداخلية (المادة 12 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/83: قانون الدفاع الوطني)، وترتبط به الأجهزة الأمنية التالية ويكون رئيساً مباشراً لها، وهي:
1. الموظفون العاملون في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي
2. الموظفون العاملون في المديرية العامة للأمن العام
3. مجلس الأمن الداخلي المركزي
4. الموظفون العاملون في جهاز أمن المطار (جيش، أمن داخلي، أمن عام، جمارك، حرس المديرية العامة للطيران المدني)
يمارس بحقهم سلطات تمنحه اتخاذ تدابير تأديبية، منها: التوقيف الصارم وحسم الراتب وغيرهما.

أولاً: التدابير التأديبية
يتعرض المخالف لأحكام مدوّنة قواعد سلوك عناصر قوى الأمن الداخلي (إفشاء السر المهني، عدم صون حقوق المُشتبه فيهم والمحتجزين، استخدام العنف وارتكاب جرم الرشوة وغيرها) الصادرة عن المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي سنة 2011، بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لعقوبات يفرضها الرؤساء وحتى وزير الداخلية، تتراوح بين التوقيف البسيط والتوقيف الصارم، النقل التأديبي، حسم الراتب، خفض الرتبة، الإحالة أمام المجلس التأديبي واقتراح الملاحقة العدلية.
أناطت المادة 13 من المرسوم رقم 1157/91، فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، مهمة استقصاء المعلومات المتعلقة بالأمن والانضباط العسكري لعناصر قوى الأمن الداخلي ومراقبة أعمالهم وتصرفاتهم في الخدمة وخارجها. وكم من جرائم مسلكية مسّت بسمعة قوى الأمن وأصابت ظُلماً المتداعين في سياق تحقيقات عدلية مكلفة بها قوى الأمن، وأنزل المدير العام أقسى العقوبات التأديبية بحق المرتكبين نتيجة إنجازات شعبة المعلومات.

ثانياً: الملاحقة العدلية
إن حرمان الإنسان لحريته وأحياناً لحياته، نتيجة العنف ومخالفة بنود مدوّنة قواعد السلوك، من أفظع الجرائم التي يرتكبها عنصر الأمن في سياق ممارسة وظيفته كضابطة عدلية معاونة للنائب العام. وهذه الأعمال خصّها القانون بعقوبة الحبس وقد تصل إلى الإعدام وفقاً لتقدير المحكمة.
كم من ضابط عدلي نُفّذت بحقه أحكام جزائية وتبعتها أحكام تأديبية صارمة، لضمان تقيّد المحقق أو من أولاه القانون سلطة الضابطة العدلية. فإذا أساء استخدامها يُعاقب جزائياً بقسوة، بصفته موظفاً عاماً مؤتمناً على تنفيذ القانون بتجرّد والعمل بموضوعية.
إن صدور الأحكام الجزائية عن المحاكم العدلية أو العسكرية بحق عنصر الأمن الداخلي يستتبع حتماً نيله القصاص التأديبي الصارم كونه عاملاً في مؤسّسة الأمن الداخلي، وقد تكون أشد قسوة من الأحكام الجزائية لأسباب عديدة!
ألزم قانون أصول المحاكمات الجزائية (المادة 402) كلاً من:
النائب العام الاستئنافي أو المالي وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي: بضرورة تفقد الأشخاص الموجودين في أماكن التوقيف والسجون التابعة لدوائرهم، مرة واحدة في الشهر، للتحقق من عدم وجود موقوفين في أماكن التوقيف، أو إخلاء سبيل من أشار بتوقيفهم، ويتخذ الإجراء القانوني بحق الضابط العدلي المخالف.
لكن، للأسف، أمضيت 39 سنة في قوى الأمن الداخلي، وتدرّجت بعمل الضابط العدلي بين خدمة فصيلة إقليمية (8 سنوات)، مفرزة قضائية (4 سنوات)، قيادة سرية إقليمية (3 سنوات)، ثم قيادة الشرطة القضائية (5 سنوات)، ولم أشاهد أيّ قاض يتفقّد نظارات وأماكن التوقيف في قطعاتنا!

ثالثاً: ملاحقات أخرى تمارس كل من:
- المفتشية العامة المالية - ديوان المحاسبة - النيابة العامة المالية.
رقابة مالية بشأن سوء صرف أموال الموازنة العامة، أموال الشعب، وتفرض الأحكام المالية والجزائية المناسبة بحق المخالفين للقانون والمراسيم والأنظمة.
أخيراً، إذا كانت القوانين والأنظمة تفرض أحكاماً مالية أو جزائية بحق المخالفين لموادها، فإن أحكام ضمير الموظف، مدنياً كان أو عسكرياً، ولو كان بعيداً عن رقابة الرئيس أو القاضي، يجب أن تبقى الأشد قسوة، إذ إن تنفيذه لأحكام القانون ليس فقط تطبيقاً للعدالة وإحقاق الحق، إنما دليل رقيّ وحضارة.

* عميد متقاعد وقائد سابق للشرطة القضائية ومحلّل جنائي استراتيجي