إذا كانت المعونة القضائيّة حقّاً أقرّه وكرّسه المشرّع لكل متقاضٍ، يمكنه ولوجه إذا كانت حالته الماديّة معسرة ولا تمكّنه من دفع رسوم ونفقات المحاكمة، وذلك لتأمين حقّ الادعاء أو حق الدفاع، فإنّ هذا الحقّ كغيره من الحقوق يجب أن يكون مقيّداً بحسن استعماله. من الناحية العمليّة، يتم أحياناً التعسّف باستعمال تقديم طلب المعونة القضائيّة، وذلك عن سوء نيّة بهدف التسويف وإطالة أمد المحاكمة، وتأخير الفصل في الدعوى الأساسيّة التي تكون قيد النظر أمام مرجع قضائي معيّن. فيقوم المدّعى عليه بتقديم طلب المعونة أمام المحكمة المختصّة، ويبلّغ قلم المحكمة الناظرة في الدعوى الأساسيّة المُقامة بوجهه. ولا يعمد بعد ذلك إلى متابعة طلبه والمراجعة فيه إلى حين صدور القرار الذي يفصل بطلب المعونة القضائيّة. فيضطرّ خصمه (المدّعي) في الدعوى الأساسيّة إلى ملاحقة الإجراءات، من إبلاغ النيابة العامة إلى استصدار قرار يخوله الاستحصال على إفادة من مديريّة الواردات في وزارة الماليّة إلى الحصول فعلاً على هذه الإفادة وإبرازها في ملف المعونة (الخ).. وصولاً إلى صدور القرار بطلب المعونة. كلّ ذلك يتطلّب جهداً كبيراً ووقتاً لا يُستهان به، ونفقات كان المدّعي بغنى عنها لو التزم المدّعى عليه بالمبادئ الأخلاقيّة، وأنصت لصوت ضميره، ولم ينتهج هذه الطريق الملتوية لأجل المماطلة.
وبالتالي، إزاء هذا الوضع، وجب على المشرّع التدخّل الفوري عن طريق إعادة النظر في النصوص التي تنظّم المعونة القضائيّة في قانون أصول المحاكمات المدنيّة وتعديلها، لناحية وضع مهل قصيرة مُسقطة تُجبر مقدّم طلب المعونة القضائيّة على ملاحقة طلبه بنفسه، وتأمين المستندات المطلوبة على همّته قبل التقدّم بالطلب، وأن يرفقها به تحت طائلة سقوط حقّه بالاستحصال على المعونة.
بالإضافة إلى وضع غرامة جديّة كبيرة، تحكم فيها المحكمة على طالب المعونة في حال تبيّن أنّه تقدّم بها عن سوء نيّة للإضرار بخصمه، والحكم بتعويض لهذا الأخير عن الضرر الناتج عن إساءة استعمال الحقّ في هذه الحالة، وذلك استناداً للقواعد العامة القانونيّة، ولنصّ المواد /10/ و/11/ و/551/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة.

* محام