رغم كفاءة مراكز الرعاية والكفالة وأهمية الدور الذي تلعبه لحماية الأطفال والاهتمام بهم، إلّا أن هذا الأمر لا يغني عن الأسرة القادرة على توفير الإحساس بالأمان للأطفال، وشعورهم بالحب والحنان والسلام والراحة النفسية. إضافة إلى أن دور الأيتام في لبنان تمرّ بضائقة خانقة ناتجة عن الوضع المالي والاقتصادي من جهة، وازدياد عدد اللاجئين للاحتماء تحت سقفها من جهة أخرى. في المقابل، هناك مئات الأسر تتعطّش لوجود طفل يؤنس أيامها ويعطي هدفاً وأملاً لحياتها، فمئات الأسر تكوّنت بحب ولم تكتمل بسبب عدم قدرتها على الإنجاب. وبما أن التبنّي في الإسلام محرم شرعاً خوفاً من اختلاط الأنساب، وبما أن نظام الكفالة لا يفي بالحاجات العاطفية للطفل ولا يؤمّن له الاستقرار النفسي والعاطفي والأسري، قامت جمعية ألف باء القانون بجولة على بعض المراجع الدينية لاستفتائها حول بعض المسائل الشرعية، لتطرح وتناقش فكرة الاحتضان الأسري، كحل وسطي بين التبنّي والتكفّل. على أن تستكمل هذه الخطوة، بزيارات للمراجع الرسمية والتنسيق مع الوزارات المعنية ومراكز الرعاية والعمل على تشجيع المجتمع الإسلامي على فكرة الاحتضان، وصولاً إلى إقرار قانون الاحتضان الأسري ضمن خطة متكاملة يشارك فيها كل المجتمع



«ابن حلال.. والله ابن حلال»، كلمات كتبتها أم في رسالة أودعتها مع رضيعها أمام إحدى دور الأيتام قبل أسبوعين. في رسالتها، دعت الله أن يرعى طفلها يتيم الأب، راجية «أهل الخير» عدم تغيير اسمه والإهتمام به وعدم البحث عنها. وقد لاقت الرسالة اهتماماً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي بين من عرض تقديم المساعدة للأم، ومن عرض الاهتمام بالطفل ورعايته.
في المقلب الآخر، تقول أمل «رغبت وزوجي في إنجاب الكثير من الأولاد. مرّت 10 سنوات ونحن نطوف من طبيب إلى آخر ومن مركز إلى آخر. جرّبنا كل العلاجات والأدوية والتلقيح الاصطناعي وطفل الأنبوب، من دون جدوى. مرّت السنوات بصعوبة، أنتظر الإنجاب بشوق ولهفة، أنتظر طفلي الذي سينير عتمتي، ويؤنس وحدتي، لكن بلا فائدة».

الاحتضان بين التبنّي والكفالة
تعتقد الفئة الكبرى من المسلمين في لبنان أن مفهوم الكفالة ينحصر بالكفالة المالية حصراً. غير أن الكفالة في مفهومها الإسلامي أوسع بكثير، وتشمل كل ما يتعلق بشؤون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا. وقد حثَّ الإسلام على كفالة اليتيم وتربيته والإحسان إليه والقيام بأمره ومصالحه (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ - سورة البقرة، الآية 215).
وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافل اليتيم معه في الجنة، فقال: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا»، وأوجب الجنة لمَن شارك اليتيم في طعامه وشرابه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ضَمَّ يَتِيماً بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ». وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ الْبُيُوتِ إِلَى اللهِ، بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ مُكْرَمٌ»
فكفالة اليتيم تكون بضمّه إلى أسرة كافله، تنفق عليه، وتقوم على تربيته وتأديبه حتى يبلغ. أما التبنّي، فهو اتخاذ الشخص ولد غيره ابناً له، وقد حرَّمه الإسلام وأبطل كل آثاره (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ - الأحزاب: 4 - 5).
لذلك وجب على من يكفل طفلاً عدم نسبه لنفسه، وإنما لأبيه إن كان له أب معروف، وإن جُهل أبوه دُعِيَ أخًا في الدين، حفظاً من اختلاط الأنساب. وبناءً عليه، فإن مسؤوليات الكفالة في الإسلام هي كل مسؤوليات وواجبات التبنّي عدا ما حُرّم، من تغيير الأنساب وما يترتب على ذلك
من آثار.
ولتوفير حياة طبيعية للطفل اليتيم أو المجهول النسب داخل الأسرة الكافلة فلا يضطر إلى الانعزال عن بعض أفراد الأسرة بعد سن البلوغ، تحرص الأسر على الالتزام بالحرمة الشرعية، بحيث إن كان الطفل ذكراً يتم إرضاعه من سيدة من طرف الزوجة، وإذا كانت أنثى يتم إرضاعها من سيدة من طرف الزوج وهذا ما يسمّى في بعض الدول العربية بالاحتضان.
فالاحتضان مشروع يقوم على احتضان أسرة لطفل يتيم أو مجهول النسب، ينشأ في كنفها كأحد أبنائها وتتولى تربيته وتوفير الحياة الكريمة له بشكل مستدام من دون نسبه للأسرة الحاضنة، مع مراعاة الضوابط الشرعية.

الاحتضان في الدول العربية
في لبنان، وعلى خلاف كثير من الدول العربية، لا يوجد ما يعرف بنظام الاحتضان. ففي القانون اللبناني، ينحصر التبنّي بالطوائف المسيحية فقط، كما أن مفهوم الكفالة محصور بالكفالة المادية دون الكفالة الأسرية أو الاحتضان الأسري. وفي جولة على بعض رجال الدين والمراجع الشرعية من المذهبين الشيعي والسني، لاستبيان الآراء حول إمكانية طرح مشروع قانون حول الاحتضان لدى المسلمين في لبنان، لم ينف أي منهم جوازه بالمفهوم المذكور أعلاه، مع الاختلاف في بعض الضوابط الشرعية لناحية شروط الرضاعة.

الاحتضان مشروع يقوم على احتضان أسرة لطفل يتيم أو مجهول النسب ينشأ في كنفها كأحد أبنائها وتتولى تربيته وتوفير الحياة الكريمة له بشكل مستدام دون نسبه للأسرة الحاضنة، مع مراعاة الضوابط الشرعية


أما الدول العربية فقط خطت خطوات متقدمة في هذا المجال. إذ تعتمد الإمارات وبعض دول الخليج مفاهيم «الاحتضان دون الرضاعة» القريب إلى الكفالة. ويحصر القانون الاتحادي الإماراتي الاحتضان في الأطفال المجهولي النسب الذين عرّفهم القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2001 على أنهم الأطفال الذين يتم العثور عليهم داخل الدولة لوالدين مجهولين.
كما حرص الأردن على نص تشريع حق الحضانة لمجهولي النسب منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ويحق للأسرة التي منحت حق الاحتضان التقدم بطلب احتضان طفل ثانٍ شريطة مرور عامين على احتضان الأول، على أن يكون من الجنس نفسه، ولا يحق المطالبة باحتضان طفل ثالث.
أما في مصر فقد سمحت التعديلات التشريعية على قانون الطفل، بفتح الباب لحياة جديدة للأطفال من مجهولي النسب والأيتام الموجودين في دور الرعاية، من خلال تيسير إجراءات كفالة الأسر البديلة للأطفال، بعدما كانت الإجراءات الطويلة تحدّ من رغبة البعض في منح منزل وعائلة لأطفال حرموا منهما. فخفضت التعديلات التشريعية سن الزوجين المسموح لهما بالكفالة إلى 21 عاماً بدلاً من 25، وألغت شرط الحصول على مؤهل دراسي، وسمحت بإدراج الاسم الأول للأم (البديلة) في خانة الأم في شهادة الميلاد، وإضافة الاسم الأول للأب البديل أو لقب العائلة في الأوراق الرسمية، مع تغيير مصطلح الأسرة البديلة إلى أسرة بديلة كافلة.
كما ساهمت بعض المبادرات الفردية التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي كمبادرة «الاحتضان في مصر» في نشر فكرة كفالة الأطفال وتأكيد عدم مخالفتها للشرع. ولا يختلف الأمر في قطر والسعودية. ومؤخراً، طرحت جمعية الوداد الخيرية السعودية ما يعرف بـ«الاحتضان بشرط الرضاعة»، هو مصطلح جديد يختلف عن الكفالة، ويسمح للأسرة باحتضان الرضيع حتى بعد بلوغه، وذلك بسبب الرضاعة التي ستزيل العقدة الشرعية، كما طرحت مشروع الرضاعة التحفيزية الذي يعتمد على إخضاع السيدة العقيم لبرنامج طبي يساعد على إدرار الحليب وبالتالي إمكانية الرضاعة.



الرضاعة التحفيزية بين مؤيد ومعارض
الرضاعة الشرعية المعروفة إسلامياً والتي يترتب عنها أثار التحريم هي تلك الناتجة عن حمل طبيعي، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للسماح للعائلة المحتضنة بإبقاء الطفل المحتضن في كنفها حتى بعد بلوغه سن البلوغ، هو إرضاعه من الأم الحاضنة إذا كانت بعد حمل أو إرضاعه من سيدة من طرف الزوج أو الزوجة حسب جنسه ووفقاً للضوابط الشرعية.
إلّا أنه ظهر مؤخراً في السعودية ومصر ما يسمى بـ«الرضاعة التحفيزية»، وهو مشروع تحفيز إدرار الحليب من السيدة العقيم تحت إشراف طبي، ما يجعل الحاضنة أماً بالرضاعة وزوجها مُحرَماً للطفلة المحتضنة.
وعند البحث عن الأثار التي ترتبها الرضاعة التحفيزية من ناحية التحريم، تبيّن الاختلاف في الآراء الفقهية. فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية أن أي لبن درّ من المرأة ولو كانت بكراً، أو من دون زوج فهو ينشر الحرمة، حتى لو تناولت شيئاً درَّ بسببه لبنها فأرضعت به ولداً صار هذا الرضيع ولداً لها بالرضاعة. أما عند الشيعة والحنابلة فالحليب الناتج من خلال برنامج طبي تحفيزي لا ينشر الحرمة بل لا بد من كون الحليب ناتجاً عن ولادة شرعية.