تعدّ بلدة سير، المركز الإداري في الضنية، أغنى بلدات المنطقة بالمياه لوفرة الينابيع فيها. من مياهها تتزوّد بلدات ومناطق كثيرة بمياه الشّرب أو الريّ، إذ تعوم البلدة على خزّان كبير من المياه الجوفية، وفيها تتجمّع كلّ صباح عشرات الصهاريج، التي تأتي تباعاً من البلدة وخارجها، من أجل ملء خزّاناتها بالمياه من نبع البلدة الرئيسي، قبل أن تتوجّه إلى مقصدها، حيث يباع الصهريج بـ 600 ألف ليرة كمعدّل وسطي.في تلك السّاحة، يكتفي صاحب الصهريج بالاستعانة بـ«نبريش» (خرطوم) بلاستيكي موجود في المكان لسحب المياه من مجرى النبع، قبل مجيء صاحب صهريج آخر يقوم بالعمل ذاته، في عملية غير خاضعة للرقابة من قبل أيّ جهة للتأكّد من سلامة المياه ونظافتها.
إلى هذا النبع، تنتشر عشرات سُبُل المياه على طول طريق الضنّية الرئيسية التي تربطها بطرابلس، كما على الطرقات الفرعية، وتشكل مقصداً لمئات المواطنين، الذين يحملون غالونات مياه فارغة لملئها واستخدامها للشّرب أو الطبخ، معوّلين على برودة المياه ليعتبروها جيدة، من غير أن تخضع أيضاً مياه تلك السُبُل للرقابة الصحية.

الرقابة على المياه
موضوع الصهاريج، التي تُوزّع المياه بلا رقابة كان حاضراً بقوة أول من أمس في الضنّية خلال زيارة وزير الصحّة فراس أبيض للمنطقة، ضمن جولته الشّمالية، لمتابعة موضوع تفشّي الكوليرا في عكّار، ومرض الكبد الفيروسي المعروف بالريقان في طرابلس والضنّية.
وقد أكّد أبيض لـ»الأخبار» أنّ «وزارة الصحّة ستقوم بالتعاون مع البلديات والمجتمع المدني بتوزيع مادة الكلور على الصهاريج التي تعمل على نقل المياه». كما أبلغ الحاضرين، من رؤساء بلديات وفاعليات، أنّ «فريقاً من وزارة الصحّة، بالتعاون مع شركاء دوليين سيأتون إلى الضنّية، وغيرها، بهدف أخذ عيّنات مختلفة من مياه الشرب في المنطقة، ونقلها إلى مختبرات الوزارة في بيروت، للتأكّد من مدى سلامة هذه المياه على الصحّة العامّة»، طالباً المساعدة في «نشر التوعية».

عجز البلديات
لكنّ بعض رؤساء البلديات سألوه عن إمكانية المساعدة «ونحن لا نملك أيّ مقوّمات، وعاجزون عن القيام بأيّ عمل، وكيف يمكننا مراقبة صهاريج المياه التي تدخل وتخرج يومياً في بلداتنا، ونحن لا نملك ثمن صفيحة مازوت أو بنزين لملء سيّارة الشرطة؟».
ترافق ذلك مع سجال نشب بين طبيبة القضاء الدكتورة بسمة شعراني ورئيس قسم الصحة في اتحاد بلديات الضنّية الدكتور محمد سلمى، بعدما اتهمت شعراني اتحاد البلديات بأنّه «أخذ عيّنات المياه من دون التشاور معها، وبأنّه تم أخذها بشكل خاطئ، وجرى نشر نتائج الفحوصات عبر وسائل الإعلام ما أثار بلبلة كنّا بغنى عنها»، الأمر الذي دفع بعض رؤساء البلديات إلى الردّ عليها، ورفضهم الاتهامات التي ساقتها ضد اتحاد البلديات، فيما أكدّ سلمى أنّ «العيّنات تمّ أخذها بطريقة علمية وسليمة»، مجدّداً القول لـ»الأخبار» إنّ «الفحوصات أثبتت أنّ المياه ملوّثة، ولذا تعدّ بيئة حاضنة للكوليرا، وتسمح لها بالانتشار بسرعة». وشدّد على أهمية «الاستدراك السريع من قبل المسؤولين، وعلى حلّ سريع لمعالجة المشكلة قبل تفاقمها».
القلق من تلوّث مياه الشّرب في الضنيّة والشّمال، دفع مدير مؤسّسة مياه لبنان الشّمالي خالد عبيد، إلى التأكيد أنّ «المياه الموزّعة على المواطنين من قبل مصلحة مياه الضنّية ومؤسسة مياه لبنان الشمالي سليمة وصالحة للشّرب والريّ، لكن علينا الانتباه إلى مصادر مياه أخرى ملوّثة جرثومياً، ولا تخضع لسلطتنا أو رقابتنا، ومنها الصهاريج وسُبُل المياه».