من انتخابات لجنة الأهل تبدأ معركة الأقساط المدرسية. فهل هناك سلطة فعلية للجنة الأهل، بالممارسة العملية؟- صحيح، المعركة تبدأ من انتخابات لجنة الأهل. المادة 10 الفقرة 7 من القانون 515 (تنظيم الموازنة المدرسية وتحديد القسط المدرسي) تقول إن الهيئة المالية هي المخوّلة إقرار الموازنة، وتحديد الأقساط، وتقرير الزيادة عليها. من هي هذه الهيئة المالية؟ هي هيئة مؤلّفة من ممثلين اثنين عن إدارة المدرسة وممثلين عن الأهل، وتأخذ قراراتها بالإجماع. أي أن هناك شراكة للأهل في الإدارة المالية للمدرسة. من هنا نوجّه رسالة إلى لجان الأهل: الدور لكم، فأنتم تمثلون الأهالي وخصوصاً في الشأن المالي، ولا تمثلون إدارة المدرسة ولا صاحبها، ولا أي اتحاد تنتمي إليه. من هنا، فالموازنة لها قواعد وأصول حدّدها القانون 515، وعليكم أن تتأكدوا من تطبيقها. وسبق لوزير التربية، عباس الحلبي، أن أعلن وكرّر ذلك، أخيراً، في مؤتمر المدارس الكاثوليكية (الذي لم ندع إليه كاتحاد لأن صوتنا موجع) أنه ستتم معاقبة المدارس التي تخالف القانون 515.

هناك من يقول إن تحميل المسؤولية للجان الأهل سهل، لكن ليس هناك من يضمن عدم تعليب اللجان، ومنع رشوة الممثلين الماليين، في أثناء دراسة الموازنة، وكبح جشع إدارات المدارس الخاصة التجارية
-هناك إدارات جيّدة طبقت القانون وتعاونت مع لجان الأهل، وأخرى طغى لديها الجشع. الأهل هم أنفسهم من يضمنون عدم التعليب. فعندما يشاركون في الانتخابات، يعرفون أنهم يحمون مصالحهم، وعندما يحسنون اختيار ممثليهم في اللجنة يضمنون حقوقهم، وعندما يحاسبون الممثلين يعرف هؤلاء أن هناك من يلاحقهم، وسيمثلون الأهل أحسن تمثيل. أكثر من ذلك، هناك حقوق كرّسها القانون للأهالي حتى لو تنازلت عنها لجان الأهل، وفي مدارس كثيرة، استطاع هؤلاء أن يقدموا عرائض، ويراجعوا قضاة العجلة، وقد حصلوا على تجميد الزيادات على الأقساط. ويمكن الأهالي أن يشيروا إلى أيّ خلل يحدث في التوازن بين الإيرادات والنفقات. فالنفقات محدّدة حصراً بموجب القانون، أي أن الأهل قادرون على الطعن أمام قضاء العجلة أو المجالس التحكيمية التربوية، وإن كنا نقرّ بأن المجلس التحكيمي، المؤلّف من رئيس قاض وممثل عن الأهل، وممثل عن المدارس، معطّل منذ 10 سنوات في كل المحافظات.

من خلال تجربتكم، لماذا لا توجد مجالس تحكيمية تربوية؟
- ليست لديّ معطيات دقيقة عن أسباب عرقلة تشكيل المجالس، وإنما بالتحليل والتجربة، أرى أن المدارس قادرة على الحصول على حقوقها من دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء. أما حقوق الأهالي فمَصونة بالقانون عبر التقاضي أمام المجلس التحكيمي. مع ذلك، عثروا على طرق أخرى مثل مراجعة قضاء العجلة، لا سيما عندما كانت المدارس تفرض زيادات غير قانونية، وقد لبّى القضاء الحاجة، واتخذ القضاة قرارات شجاعة بحق المدارس المخالفة للقانون. وهناك طريق ثان وهو تقديم شكوى إلى وزارة التربية التي تملك بعض الصلاحيات، وإن كانت ليست كبيرة.

ولكن هل تمارس وزارة التربية الصلاحيات التي منحها إياها القانون؟
-هنا المشكلة التي وقع فيها الأهالي. مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية لا تأخذ دورها بالكامل، والمنصوص عليه في المادة 13 من القانون 515، والذي يتيح لها مراقبة تطبيق أحكام القانون، وتحديد قيمة القسط إذا وجدت أنه مخالف لهذه الأحكام. لم يسبق للوزارة أن حدّدت القسط إلا في بعض الحالات الاستثنائية ومنها حالة في عام 2015 بعد نزاع بين صاحب إحدى المدارس الكبيرة ولجنة الأهل. في الواقع، الأهالي يترددون في تقديم الشكاوى باعتبار أن سقف المحاسبة هو المجلس التحكيمي المعطل، ولكن عندما تحدّد مصلحة التعليم الخاص القسط، سنداً إلى المادة 13، يستطيع هؤلاء أن يذهبوا إلى قضاء العجلة، والمدرسة لا تستطيع أن تلزمهم بدفع أي مبلغ خارج القسط الذي حدّدته المصلحة ويجري تجميد أي زيادات إلى حين البتّ بالملف أمام المجلس التحكيمي.

برأيكم، لماذا لا تقوم وزارة التربية بهذا الدور؟
- هناك عوامل عدة، منها انكفاء الأهل عن تقديم الشكاوى، والنقص في الكادر الإداري في الوزارة الذي يتابع الشكاوى، مقارنة بحجم اعتراضات لجان الأهل والأهل، وهناك أيضاً ضغوط تتعرّض لها الوزارة نفسها من جهات مختلفة باعتبار أن المدارس تنتمي إلى مرجعيات دينية وسياسية ومؤسسات تجارية كبرى ودول أجنبية. والأهل يواجهون «لوبيينغ» كبيراً، «كارتيل إذا بدك»، ولكن إذا تسلّحنا بالقانون والجرأة نصل إلى الحقوق.

متفائل إلى هذه الدرجة؟
- أتكلم عن تجربة. وصلنا في كثير من القضايا إلى الحقوق. في مرحلة ما بعد عام 2017، تاريخ إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين، جرى تجميد الزيادات على الأقساط في كثير من المدارس. وفي بعض الحالات التي فشلنا فيها، كانت هناك يد طولى للجنة الأهل في ذلك. ومنذ سنتين، جرى التدقيق في موازنات المدارس فتبيّن أنها ضخّمت الأرقام بنسبة 40 أو 50%، وهنا استطاعت لجان أهل أن تحصل، بموجب المراجعات أمام قضاء العجلة، على تخفيضات على الأقساط.

لننتقل إلى الخطر الداهم اليوم، وهو دولرة الأقساط، التي تتمسّك بها المدارس، فيما لا يبدو حتى الآن أن هناك سلطة لوزارة التربية لمنعها
- دولرة الأقساط بدأت فعلياً في السنة المدرسية الماضية 2021 ـ 2022، وبصورة خاصة كسلفة على قسط العام الدراسي الحالي 2022 ـ 2023، وهذه مخالفة صريحة للقانون الذي يقول إن السلفة، أو رسم التسجيل، لا يجب أن يتعدى 10% من قيمة قسط العام الماضي. إضافة إلى أن الدولرة، بأشكالها وتسمياتها المختلفة مخالفة أيضاً للقانون، لكون الموازنة المدرسية مُعدّة بالليرة اللبنانية. وإلزام الدفع بالدولار يعني أن المبلغ يجب أن يدخل في القسط، والقسط خاضع للقانون 515، إذ تنص المادة الأولى منه «ويفهم بالقسط المدرسي لتطبيق أحكام هذا القانون ما تفرضه المدرسة على التلميذ من مبالغ، أياً كانت تسميتها، عن سنة دراسية في مقابل ما تقدّمه من تعليم ونشاطات تربوية إلزامية والتأمين ضد الأخطار والرقابة الطبية». قد تكون للمدارس نفقات إضافية في هذا الظرف الاستثنائي، ولكن لا يجب أن تكون تغطية هذه النفقات من خلال القسط المدرسي حصراً، إذ إن هناك مجموعة من الإيرادات التي تتقاضاها خارج الموازنة ويجب أن تدخلها فيها مثل القرطاسية والكتب والزيّ والنقل المدرسي والمساعدات الخارجية وغيرها. ومع أن موقفي متشدّد لجهة أن يدخل كلّ صافي الإيرادات في الموازنة ويُحسم من مجموع النفقات لتحديد القسط، أقول للمدارس ضعي ذرّة رماد في عيوننا وأدخلي 50% فقط من هذه الإيرادات غير المشمولة بالقسط.

هناك اقتراح قانون أعدّه مستشار وزير التربية لتعديل القانون 515، ماذا يتضمّن هذا التعديل وما هو موقفكم منه؟
-لا يزال اقتراح القانون قيد الدراسة وأترك لصاحبه أن يتحدّث عنه، ولكن موقفي المعلن هو أن المشكلة المتعلقة بالدولرة يترتب عليها خلل في توزيع الأعباء في الموازنة. والقانون أوجد الحلّ في المادة 3 الفقرة ج التي نصّت على أنه «بصورة استثنائية، إذا ثبت لمصلحة التعليم الخاص أن النفقات والأعباء المندرجة في نطاق البند ج من باب النفقات تتجاوز 35% وهي غير قابلة للخفض (كما هي الحال اليوم)، يمكن لوزير التربية بناءً على طلب المدرسة واقتراح رئيس مصلحة التعليم الخاص الموافقة على توزيع النسب وفقاً لواقع الحال، شرط أن لا تتجاوز 5%، أي 40% للنفقات و60% للرواتب والأجور. وهذا ما يسمى «موازنة واقع الحال».
«الدولرة» بدعة مرفوضة والحلّ بتقرير مدقّق يكشف الأكلاف الحقيقية

إذا سلّمنا جدلاً، وفقاً لهذا الواقع، أن المدارس لا تستطيع أن تتقيّد بأي نسب، فإن ذلك يجب أن يقترن بموافقة لجنة الأهل، وتقرير مدقّق حسابات مجاز معروف ضمن لائحة تحدد شروطها وزارة التربية، ويُعيّن من لجنة الأهل وإدارة المدرسة في الوقت نفسه، على أن يتضمّن التقرير نقاطاً إلزامية مثل الأكلاف الحقيقية للمدرسة، وأن تبرّر الأخيرة الكلفة بالدولار وتجاوزها للسقوف المحددة، وأن يكون التبرير مدعماً بالمستندات ومرفقاً بالموازنة ويُبلّغ إلى لجان الأهل ، وأن تُرفق الموازنة في آخر العام الدراسي بميزانية أو قطع حساب مدقّق لتبيان حقيقة الأمور.

ولكن المدارس لا تزال ترفض حتى اليوم التدقيق في موازناتها؟
- المدارس ترفض لأنها لم تتعوّد على الشفافية المالية ونحن دعاة الشفافية في كلّ شيء. حتى إننا ندعو لجان الأهل إلى أن تكون حساباتها شفافة أيضاً. ونطرح أن تكون هناك آلية اعتراض، تطلب بواسطتها المدرسة من وزارة التربية، سنداً للمادة 13، الموافقة على الموازنة كما هي وتحديد القسط، وعلى وزير التربية أن يصدر قراره بعد إعطاء مهلة للجنة الأهل لإبداء ملاحظاتها على طلب المدرسة. وبذلك يكون بين يديه تقرير الخبير المحاسبي، رأي المدرسة وملاحظات لجنة الأهل. مع ذلك، لدينا مشكلة أخرى، وهي أن المجلس النيابي تحوّل في الأول من أيلول إلى هيئة ناخبة، ولا يحقّ له أن يجتمع إلا لانتخاب رئيس الجمهورية، والتعديل القانوني المنتظر يحتاج إلى قانون في المجلس النيابي. ولكن في الانتظار، لا غنى عن تطبيق القانون الحالي أي 515.