تخوض السياحة على ضفاف نهر العاصي «معارك محتدمة» من أجل البقاء، ولا مؤشرات إلى ازدهار قريب. الإقبال تراجع إلى النصف، والرهان هو على مجيء المغتربين والسياح.على ضفاف نهر العاصي في الهرمل، ينتظر عاملو المنتزهات «الزَّبون من غيمة»، يعرضون عليه أن يختار طاولته بحرية لأنه لن تكون هنالك طاولاتٌ محجوزة على الأغلب. بعدها، لن يستلزم الأمر من الزبون أكثر من ثوانٍ ليدرك بأن المشهد مختلفٌ هذا الصيف، فلا زحمة تُذكر، ولا ضجيج سوى خرير المياه عند الشلالات. حتى "الرافتيت" التي كان يستمتع بعدّها وهي تمرّ أمامه فوق الماء قد لا يرى واحداً منها طوال النهار.
الإقبال على المرافق السياحية في المنطقة بدأ يتراجع منذ صيف عام 2020، وكان لانتشار فيروس كورونا دور كبير في ذلك، إذ فُرض الإغلاق التام لفترات طويلة. ومع ذلك، فالتراجع الفعلي حصل مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
يقول مدير منتجع ومطعم شلالات الدردارة، محمد الطشم، إن المبيعات انخفضت بنسبة 50%، وهذا ما يقوله أيضاً مدير منتجع نبع العاصي، عباس الهق، «إذ إن الأرقام في يوم عيد الأضحى لم تتجاوز نصف أرقام السنة الماضية في اليوم نفسه، رغم أن مادة المازوت متوافرة أكثر هذا العام مقارنة بالصيف الماضي».
أما "الرافتينغ"، الرياضة الـ"هرملانية بامتياز"، فلم تعد على حالها، فبعدما كانت تستقطب نحو 12 ألف شخص سنوياً من لبنانيين مقيمين ومغتربين وسياح، وتعمل على مدار الأسبوع، بات الأمر مقتصراً بدرجة كبيرة على أيام العطل، بحسب ديب شمص، أحد مدرّبي هذه الرياضة. يقول شمص إن «زبائننا تغيّروا. كانوا سابقاً من أهل المنطقة وصارت أكثريتهم اليوم من السيّاح والمغتربين».
لم يكن للهرمل مقارنة بغيرها من المناطق السياحية، حصة وافية من السياح الذين جاؤوا إلى لبنان هذا الصيف. لكنّ ذلك لا ينفي أن المرافق السياحية على ضفاف نهر العاصي «غير الشعبية» خصوصاً، استفادت من وجود بعض السياح، وإن بنسب متدنية، فهناك العراقي والأردني والبحريني مقابل غياب فئة من اللبنانيين كانت ترتادها بشكل دائم، وهي موظفو الدولة. إلى ذلك، ساهمت حركة المغتربين، بشكل أو بآخر، في إنقاذ هذا القطاع من الانهيار الكلي، وهنا يشير الهق إلى أن «زبائننا أغلبهم من أولاد المنطقة المغتربين».
في مجال آخر، ارتفعت أسعار الخدمات السياحية على ضفاف نهر العاصي تدريجياً خلال سنوات الأزمة، وتضاعفت على نحو لامس 20 ضعفاً خلال هذا الموسم. يشير الهق إلى أنّ «سعر الوجبة التي كانت بـ15 ألف ليرة أو 30 ألفاً صارت بـ300 ألف ليرة أو 500 ألف».
ويبرّر مدير منتزه الشلال الكبير، مصطفى المقهور، هذا الارتفاع الكبير في الأسعار «بتعويض الخسارة التي منينا بها في الموسمين الماضيين، كما لم تعد هناك أيّ سلعة مدعومة كما كانت الحال في بداية الأزمة». ويلفت إلى أن الأرباح لا تتجاوز النصف رغم مضاعفة الأسعار.
إزاء ذلك، أقفلت بعض المنتزهات، مطابخها أمام الزوّار وخصوصاً «الشعبية منها»، واكتفت بتقديم الخدمات التي لا تتطلب ميزانية مرتفعة مثل النرجيلة، الشاي، القهوة وغيرها. كذلك لجأ بعض أصحاب المنتزهات إلى خفض عدد العاملين تخفيفاً للأعباء المادية، وهو ما يؤكده الطشم قائلاً: «أعرف الكثير من أصحاب المنتزهات والمطاعم على ضفاف العاصي الذين اضطروا أن يصرفوا جزءاً من عمالهم».