بدلاً من أن يفرض وزير الاقتصاد أمين سلام، آلية لمكافحة الاحتكارات التجارية التي ستستفيد من زيادة «الدولار الجمركي» 13 ضعفاً إلى 20 ألف ليرة، عقد مؤتمراً صحافياً أمس لتبرير هذه الزيادة الضريبية باعتبار أن تداعياتها على الأسعار «ستكون ضئيلة جداً جداً جداً». فلم يتطرق الوزير إلى الآليات القانونية التي تسمح له بمكافحة الاحتكارات وسلوكها العدواني تجاه المستهلكين، ولم يفسّر قدرة الوزارة على استعمال أدوات المكافحة العملانية.صحيح أن عنوان المؤتمر الصحافي كان يتعلق بتداعيات الدولار الجمركي على أسعار السلع وعلى الأمن الغذائي، إلا أن الأمر لم يتجاوز مسألة التبرير والترويج للقرار من دون أن يشرح كيفية تطبيقه الرقابة، وما هي موارد وزارة الاقتصاد المعتمد عليها، وبالاستناد إلى أي آلية وقانون. بل اختصر كلامه بالقول: «إننا في فترة انتقالية تليها فترة طوارئ وفترة تعافي، ففترة ازدهار وحتى الوصول إلى فترة الازدهار نحن بحاجة إلى التشدد الرقابي». واستغرق في تبريراته للقرار الحكومي غير المدروس، بالارتكاز إلى تجارب الدول التي «تؤمن مداخيلها من الضرائب والرسوم، والتي لا يمكن للبنان الاستمرار بجبايتها على سعر 1500 ليرة وسط انهيار العملة». أي أنه ثبت منطق المحاسبة الطاغي على العمل الحكومات المتعاقبة من ما قبل الانهيار، وما بعده أيضاً. فالحكومات السنيورية، كانت تستعمل الأدوات الضريبية ليس في خدمة الاقتصاد والمجتمع، بل من أجل تغذية الخزينة العامة بالإيرادات من دون الالتفات إلى تبعات ذلك على التشوّهات التي تصيب الاقتصاد والمجتمع. ولم يكتف بذلك، بل حاول التحصّن بشعار «تحسين الرواتب والأجور» ليبرر الزيادة الكبيرة القادمة على الأسعار. لذا، أتى كلام سلام خالياً من أي منطق اقتصادي. واللافت أنه أقرّ بأن هناك «مواد غذائية ستخضع للدولار الجمركي، وهي التي لها مواد رديفة موجودة في لبنان، وذلك لتحفيز القطاع الصناعي والصناعة اللبنانية». إلا أنه أشار إلى أنه من بين السلع الغذائية التي ستخضع للدولار الجمركي هي الأجبان الفاخرة وأكياس الخضار المعلّبة». وهذا الأمر عكس ما تقوله قوى السلطة من أن إعادة تسعير المواد المستوردة على سعر صرف يبلغ 20 ألف ليرة، لن تكون له تداعيات على أسعار السلع الغذائية.
ورغم أن سلام وجّه تحذيراً لمن أسماهم «تجار الأزمات»، إلا أنه لم يقدّم تصوراً لآلية مكافحة جشع هؤلاء التجار. بل اكتفى بتوجيه التهديدات الكلامية لهم. والوزير نفسه كان قد شكّل قبل أسابيع لجنة بالتعاون مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية لمعاونة وزارة الاقتصاد في التصدي لاحتكارات الأفران والمطاحن لمادة الطحين واستعمال المدعوم منها للصناعات غير المخصصة له، إلا أنه لم يصدر شيئاً عن هذه اللجنة يوحي بأنها تقوم بمهام المكافحة والتصدي للاحتكارات. وكانت ذريعة سلامة من أجل تشكيل اللجنة، أن وزارة الاقتصاد ليس لديها سوى 50 مراقباً لا غير، أي أنه يستحيل عليها القيام بمفردها بمهام المراقبة في كافة المناطق. وهذا المنطق نفسه ينطبق أيضاً على مكافحة الاحتكارات في مجال السلع الأساسية من غذائية وسواها. وقد ظهر هذا الضعف أيضاً قبل أشهر وتحديداً مع تصاعد أزمة المحروقات، كما كان واضحاً فشل الوزارة في ضبط فوضى تسعير السلع في المتاجر ربطاً بتحرّك سعر دولار السوق الموازية.