لم يطل تفرّق الشيوعيين بعضهم عن بعض. بعد أربعين يوماً من تحلّقهم حول جثمان حسن عوالة، عادوا أمس ليتحلّقوا حول جثمان مازن عبود في التشييع الذي دعا إليه الحزب الشيوعي. من تولين إلى عنقون وما بينهما زوطر وكفررمان وإبل السقي ورفيقاتها، باتت تُسرد حكايات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في الأتراح. ليس لأن ميادين النضال والقتال انحسرت فقط، بل أيضاً، لأن الأبطال لا يُعرفون إلا إذا ماتوا.
(الأخبار)

في غالب الأحيان، تحفّظ عبود عن كشف تفاصيل عمليات الجبهة التي شارك فيها وخطّط لها في أحياء بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، من صيدلية بسترس ومحطة أيوب إلى الجامعة العربية والويمبي.... عمليات أجبرت العدو خلال أيام على إطلاق النداء عبر مكبّرات الصوت: "يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار، إنّا منسحبون".
في باحة مستشفى الشهيد حكمت الأمين في النبطية، تجمّع الرفاق أمس للسير في موكب تشييع عبود إلى بلدته عنقون: من تبقّى من رفاق العمليات الأولى ومن صمد في الفكر الماركسي. رفيق الجبهات أمين قمورية وشريك عبود الأول في "بسترس" فهد مدلج حضرا، لكنّ شريكه الثاني (الذي صار شيخاً) عمّار جرادي قد غاب. قائده العسكري الياس عطالله افتُقد أيضاً.
بالبدلات العسكرية، حيّا العسكر الشيوعيون الجدد الأسطورة الذي لُفّ بالراية الحمراء. لم يتمكن معظمهم من التعرّف إليه. فقد اختار الصمت عندما كان يبدي خجلاً من استعراض مآثره: "لم أقم بما قمت به وحدي، بل باسم الحزب". بعد الصمت، اختار عبود الموت أيضاً. منذ حوالي ثلاثة أشهر، لم يتعالج من السرطان بجدية. كان يحول أدويته إلى حسن عوالة، مبرّراً: "أنجزت كل مهامي".