عديدة هي الحالات التي يحكم فيها القاضي على الجاني بالسجن المؤبد او بالأشغال الشاقة المؤبدة، كما في حالات القتل قصداً أو خيانة الوطن أو اختطاف شخص وحرمانه من حريته لمدة تتجاوز الشهر، وفي جرائم أخرى، وذلك في الحالة التي لا تتوفر فيها شروط الحكم بالإعدام.
عقوبة تلي الإعدام قساوة
يعدّ السجن المؤبد عقوبة قاسية لأنه يعني السجن مدى الحياة، وتعتبر عقوبتا الأشغال الشاقة المؤبدة والاعتقال المؤبّد ثاني أقسى العقوبات الجنائية بعد الإعدام بموجب المادة 37 من قانون العقوبات اللبناني.
بعد انبرام الحكم، تبدأ رحلة المحكوم بدءاً من مكان حبسه الى تجريده من حقوقه المدنية. ويقتضي وجوباً أن تختلف أماكن الحبس بين المحكوم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والمحكوم عليهم بالاعتقال المؤبد والمؤقت بموجب المادة 56 من قانون العقوبات. كما أن مرسوم تنظيم السجون الصادر سنة 1949 ينص على وجوب أن يُحبس المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة والاعتقال المؤبد الموقت والحبس وبقية الموقوفين في أماكن مختلفة.
ويعني الحكم بالأشغال الشاقة المؤبّدة أوالاعتقال المؤبّد، حُكماً، تجريد المحكوم من حقوقه المدنيّة عملاً بنص المادة 63 من قانون العقوبات. كما أن المحكوم عليه مؤبداً وأعفي من عقوبته بعفو عام أو خُفّضت عقوبته، يخضع حكماً لمنع الإقامة لمدة 15 سنة بموجب المادة 82 من قانون العقوبات.

(هيثم الموسوي)


مرور الزمن
في حالة مرور الزمن على الحكم، يختلف وضع المحكوم مؤبداً عن بقية المحكومين. فالأصل أن مدة مرور الزمن على العقوبات الجنائية تبلغ ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة ولا تتجاوز العشرين عاماً. فيما مدة مرور الزمن على العقوبة الجنائية المؤبدة تبلغ 25 سنة. بمعنى أوضح، إذا صدر حكم بالحبس مدة 8 سنوات، مثلاً، فإن مدة مرور الزمن على العقوبة هي 16 عاماً، أما المحكوم بالسجن مؤبداً فتكون مدة مرور الزمن على عقوبته 25 عاماً.

احتجاز مدى الحياة
في تقرير حمل عنوان «موجز السياسات المتعلقة بالحبس المؤبد - 2018»، عرّفت المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي وجامعة نوتنغهام البريطانية الحبس المؤبّد كما يأتي:
«هو حكم يلي إدانة جنائية، يمنح الدولة سلطة احتجاز شخص ما في السجن مدى الحياة، أي حتى يموت هناك. ويحمل مصطلح الحبس المؤبد معاني مختلفة، فهو يعني في بعض الدول أن السجناء المحكوم عليهم بالحبس المؤبد ليس لهم الحق بأن يُنظر بشأن إطلاق سراحهم، وفي دول أخرى، يُنظر عادةً في إطلاق المحكوم عليهم بالحبس المؤبد بعد فترة معينة».
وعدّدت المنظمة أنواع الحبس المؤبّد كما يأتي:
• الحبس المؤبّد من دون تخفيف أو إفراج مشروط حيث لا تكون هناك إمكانية للإفراج.
• الحبس المؤبد من دون إفراج مشروط عندما لا يتم النظر في الإفراج بشكل روتيني، ولكن يجوز منحه من قبل السلطة التنفيذية أو رئيس الدولة.
• الحبس المؤبّد مع إمكانية الإفراج المشروط حيث تنظر المحكمة في الإفراج بشكل روتيني من قبل مجلس الإفراج المشروط أو هيئات مشابهة.
• إطلاق السراح المشروط الرمزي حيث يتم الإفراج تلقائيًا بعد قضاء فترة معينة في السجن.
وفي لبنان، كالعادة، ندمج بين الأنواع. ففي حالات معيّنة، تكون هناك إمكانية للإفراج، ويجوز لرئيس الدولة منحه بموجب عفو خاص في حالات أخرى.

الخفض ممكن وبعيد المنال
بموجب قانون تنفيذ العقوبات رقم 463 تاريخ 17/9/2002، يمكن خفض عقوبات الحسني السيرة والسلوك من المحكوم عليهم جزائياً بعقوبات مانعة للحرية، بخفض عقوباتهم وفق شروط محددة في متن القانون، أولها أن لا يكون الـمحكوم عليهم بعقوبات جنائية مؤبدة من الـمكررين وأن لا يقع الجرم ضمن إحدى الجرائم التالية:
• الجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى الـمال العام.
• تزوير العملة أو تقليدها لا ترويجها.
• الاتجار بالـمخدرات لا ترويجها.
وفي حال كان المحكوم عليه قد اقترف جرماً يختلف عن هذه الجرائم الثلاث ولم يكن مكرراً، يمكن للجنة المكلفة تقديم اقتراح الخفض أن تطلب خفض العقوبة وفق الشروط التالية:
1- أن يثبت لها أن المحكوم عليه حسن السيرة وان اطلاقه لا يشكل في ضوء حالته النفسية أو العقلية أو الصحية أو الاجتماعية خطراً على نفسه أو على غيره.
2- إذ نفذ المحكوم من العقوبة 18 سنة على الأقل، في إمكان المحكمة ان تقرر خفض عقوبة الحبس المؤبد على ألا يقل إجمالي العقوبة الـمخفضة الواجب تنفيذها عن 20 سنة وأن لا تزيد عن 25 سنة.
والجدير بالذكر أن قانون أصول المحاكمات المدنية ينص على انتهاء حبس المدين ببلوغه سن الـ65 من عمره في حالات الحبس لسداد ديون محددة في القانون.


أما طلبات الخفض في جرم القتل قصداً، فقد خصّ المشرّع المحكوم عليه (المادة 549 عقوبات) بأحكام خاصة راعى فيها ضرورة طلب أهل الضحية، وأوجب على رئيس اللجنة تبليغ أفرقاء الادعاء الشخصي طلب خفض العقوبة مع الـمستندات والتقارير التي يراها مناسبة لإبداء ملاحظاتهم على سبيل استئناس اللجنة والـمحكمة بها، كما عدّل الفترة اللازمة لطلب الخفض، فاشترط أن يكون المحكوم عليه قد نفّذ 20 سنة على الأقل من عقوبة الحبس المؤبد، وأجاز للمحكمة خفض العقوبة من المؤبد على ألا يقل إجمالي العقوبة الـمخفضة الواجب تنفيذها عن 25 سنة، وأن لا تزيد عن 30 سنة بدلا من 25 سنة في الجرائم الأخرى.
يعني الحكم بالأشغال الشاقة المؤبّدة أو الاعتقال المؤبّد، حُكماً، تجريد المحكوم من حقوقه المدنيّة


أما الـمحكوم عليه الذي سبق أن استفاد من استبدال عقوبة الإعدام بمؤبد بموجب حكم مسند إلى قانون عفو عام أو بموجب مرسوم عفو خاص، فلا يتقدم بطلب الخفض إلا إذا نفذ من عقوبته 25 سنة على الأقل، على أن تتوافر فيه الشروط العامة، وأن لا يقل إجمالي العقوبة الـمخفضة الواجب تنفيذها عن 30 سنة وأن لا تزيد على 35 سنة.
إلا أنه، ولأسباب غير مبررة، ورغم صدور مرسوم تحديد آلية تنفيذ قانون تنفيذ العقوبات في العام 2006 الذي حمل الرقم 16910، فإن تطبيقه بعيد المنال لصعوبة الشروط التي أوردها باستثناء الحالات الصحية.

الاسباب الصحيّة للإفراج
يمكن إعفاء المحكوم عليه من بقية عقوبته إذا تثبّتت اللجنة من إصابته في السجن بالإصابة بالعمى أو الفالج أو بأي مرض عضال ميؤوس من شفائه أو بمرض خطير يهدد حياته، أو أصبح مقعداً غير قادر على خدمة نفسه أو القيام بعمل ما، مع العلم أنه لا تشمل هؤلاء الاستثناءات الـمنصوص عليها في الـمادة 15 من القانون، وهي الجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى الـمال العام وتزوير العملة أو تقليدها أو الاتجار بالـمخدرات.



العفو الخاص بمرسوم
أورد قانون أصول المحاكمات الجزائية أصول تقديم طلب العفو الخاص الذي يكون من صلاحية رئيس الجمهورية، بحيث يؤلف مجلس القضاء الأعلى لجنة من ثلاثة من اعضائه للنظر في طلبات العفو الخاص في غير حالات الإعدام، في ما خصّ حالة الحكم المؤبد بأحكام خاصة. وفي حال رفض رئيس الجمهورية طلب المحكوم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة لا يجوز له أن يجدّد طلبه إلا بعد ثلاث سنوات على إبلاغه قرار الردّ.