اليوم يا ولدي لم تحمل بطاقة تفوّقك، ولم يلتقط لك أحدٌ صوراً تذكاريّة وأنت تتأبَّط شهادة تقدير مطبوعة بعناية، ومزركشة بشتّى عبارات الفخر والإعجاب. لم يذكرك أحد. لم يشكرك أحد. لم تخطر على بال أحد. بل غبت، أنت وكلّ رفاقك الذين لم يُكتب لهم "التفوّق" عن بال المعنيين، فلم تُوزّع عليكم بطاقات تشجيعية فيها كلمة مديح واحدة، واحدة فقط، ولا حتّى "نصف ربع ثناء" على سمة إيجابيَّة فيكم على صغر سنّكم... ولا كلمة تمنٍّ لكم بدوام التوفيق والنجاح كتلك التي ذُيّلت بها شهادات المتفوّقين، وكأنّ هذا النوع من الأدعية يُذكر حصراً للمتفوّقين وليذهب الآخرون إلى الجحيم... شعرت إثر ذلك بأنّك ربما كنت، ومن حيث لا أدري "زومبي" المدرسة أو "كوازيمودو" المدينة.أتعلم لماذا لم يحصل كلّ ذلك يا ولدي؟ لأنَّ أحداً غير أمّك الولهى لم يرَك طوال عامك الدراسي تنام فوق دفاترك وكتبك من التعب. ولأنَّ أحداً لم يرَ طفولتك التي حوّلها النظام التعليمي غير العادل إلى كهولة، فَمَن غير المسنّين يعيشون رتابةً مقيتةً كتلك التي كنت تعيشها؟ تعود من مدرستك بعد يوم دراسي مرير (على الأقل لك)، لـ"تزلط غداءك زلطاً"، وتتأهَّب لمداهمة الحقيبة الملأى بشتى صنوف التكاليف: أمالٍ، مسائل رياضيَّة، نسخ، حفظ، اختبارات، محفوظات إلخ. تظلّ هكذا حتى يهبط الليل، تتوسّل الوقت لمشاهدة التلفاز أو للعب الكرة أو لممارسة أيّ مظهر من مظاهر الطفولة، لكنّ الفرح محرّم على الأطفال "المتعثرين"، لأنه، وبحسب "روشيتة" التكاليف المرسَلة، والتي بمعظمها لا تراعي الفروقات الفرديَّة والقدرات الذهنيَّة للطلاب، يتعيَّن عليك البقاء ساهراً إلى آخر الليل لإنجازها، فتنام على "طبابات وجهك" مفكّراً في ما ينتظرك من استيقاظ مبكر مع ساعات الفجر الأولى لإتمام ما "انكسر عليك" من واجبات. تحين السَّابعة صباحاً، فتتناول فطورك بطريقة "الزَّلْط" أيضاً وتهرول إلى المدرسة حاملاً حقيبةً يساوي وزنها نصف وزنك.
لم يحصل لك ما حصل لأقرانك "المتفوّقين" لأنَّ أحداً لم يرَ الدمعة والحيرة واليأس في عينيك عندما كنت تعود أدراجك عند الظهيرة حاملاً أوراق الاختبارات التي من المفترض أنها ستعكس ما بذلته من تعب وجهد، وقد كُتب على مقدّمتها باللون الأحمر وبخطّ استعراضي طويل عريض عبارات مثل: "ركّز أكثر، عليك بمضاعفة جهودك، ما هذه العلامة، انتبه أكثر". وتتبع تلك العبارات دزينة من علامات التعجب والاستفهام دَرَزتها المعلمة درزاً على ورقتك تعبيراً عن غضبها لأنك أضعت تعبها!
لم يثنِ أحد عليك في نهاية العام لأن كلّ هذا "العدو الماراثوني" الذي أرهق أصابعك الغضّة وأتعب كاهلك الطريّ لا قيمة له ما لم تحصل على الفئة "أ" المقدّسة!
لا تحزن يا بنيّ. غداً، سأزيّن لك بنفسي شهادة تفوّق، وسأكتب لك فيها: "يسرّ والدتك أن تبارك لك القدرات التي منحها الله إيّاها وتهنّئك على كلّ ذرّة جهد بذلتها وعلى الأيام والليالي التي قضيتها لتثبت لنفسك ولي ولمعلميك ولأقاربك وللجيران ووو... بأنّك أهل للتفوّق والتميّز والتكريم"، لكنك عجزت عن ذلك لأنك تمتلك نوعاً آخر من القدرات التي لا تلحظها تقييمات بني البشر، وسأبتاع لك من متجر الألعاب -علاوةً على الهدية التي وعدتك بها أياً كانت نتيجتك- غيمتَين، واحدة لتحمل نحو السَّماء أحلامك المستقبليّة التي لطالما حدّثتني عنها، فتظل بذلك نقيَّة سليمة كقلبك الطاهر وفطرتك السليمة، وأخرى لتبكي على حال التربية والتعليم في بلادي.

* كاتبة وباحثة تربوية