بخلاف التوقعات، مرّ اليوم الانتخابي في دائرة بيروت الثانية بهدوءٍ تام وأعلى درجات ضبط النفس، إذ لا إشكالاتٍ تُذكر ولا استفزازاتٍ بين المقاطعين المناصرين لسعد الحريري والمشاركين في عملية الاقتراع. في الطريق الجديدة ومحيطها لم يكن 15 أيار أكثر من يوم أحدٍ ترفيهي. هكذا أراده أنصار تيار «المستقبل» الموزّعين بين «القهاوي» والأرصفة وبُرِك سباحةٍ أطفأت مياهها الباردة حرارة المعركة الانتخابية في معقل «التيار الأزرق»، في ظل تنافس عشر لوائح يستغل مرشحوها فرصة غياب سعد الحريري عن الحلبة الانتخابية.
على الرصيف المقابل للجامعة العربية جلست مجموعة شبانٍ لم تتلوّن أصابعهم بالحبر الانتخابي. يستندون إلى حائطٍ غطّته صور الحريري، ممنّين النفس لو أن حضوره جسدي بينهم. في هذه النقطة لطالما تجمّعوا ومنها كانت تنطلق المسيرات السيارة الداعمة للحريري. هنا اعتادوا احتساء قهوتهم «المرّة اليوم» وهم يشعرون بأنّهم خارج المشهد والمعادلة. «نحنا ما عنا انتخابات» يوحّدون إجابتهم وكذلك موقفهم، أما المشاركون فـ«هنّي أحرار». على بعد أمتارٍ، نُصبت على الجهة المقابلة خيمة للائحة «بيروت تواجه» المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة، المفارقة أن المتجمهرين حولها اختلفت آراؤهم حيال المعركة وضرورة التصويت من عدمه. هم أنفسهم لم يقترعوا جميعاً، وأقرّوا بأن الأوضاع المعيشية المتدهورة وحاجة الناس فرضت بأن يكون «الاستحقاق الانتخابي فرصةً للاسترزاق». اقتصر تعاونهم مع اللائحة على إثبات حضورهم في الخيم، من دون منحها أصواتهم. مع هؤلاء يجلس مقاطعون كرمى لعيون الحريري وكأن الجميع يعرف ويبرر ضمنياً التعاون تحت وطأة الضغط الاقتصادي. آخرون اعترفوا بقبض الأموال من النائب فؤاد مخزومي مقابل رفع صورته في الحي المتفرّع من الطريق الجديدة.
وجود المحابر لم يقتصر على مراكز الاقتراع، إذ استعان بها عدد ولو قليلاً للتحايل على اتفاقاتهم مع الماكينات الانتخابية التي باعوها أصواتهم، وعلى رأسها لائحة «بيروت بدها قلب». ومقابل رفع صورة النائب فؤاد مخزومي قبض بعض الشبان مبلغاً لا بأس به، مؤكدين حجب صوتهم عن لائحته. حركة الناس والسيارات ضعيفة في المنطقة، وسط غيابٍ تام للمسيرات السيّارة والأناشيد الحماسية. من الطريق الجديدة نحو قصقص يعلو صوت الموسيقى الصادرة عن تجمّع لمناصري «المستقبل» وضعوا بركة سباحة على جانب الطريق تحيط بها صورة ضخمة للحريري. داخل البركة شبان وأطفال يرقصون ويهتفون للشيخ. وبغض النظر عن حقيقة مكنوناتهم، تعمّدوا إظهار اللامبالاة فصدحت الأصوات على أغنية «الغزالة رايقة». حول البركة، الرمزية بمعناها، تجمهر شبان وشابات يدخّنون النرجيلة. بالحديث مع عدد منهم تستخلص أن رد الفعل هذا أتى لقطع الطريق عن تصويرهم كمخذولين ومتروكين من دون قائد. لا يريدون نظرات الشفقة يقول أحدهم. هم المتفهمون جيداً لعوز الناس الذي دفع البعض للتعاون مع لوائح مخزومي ورئيس نادي «الأنصار» نبيل بدر. ويشددون على حرصهم على هدوء المنطقة واستقرارها مهما كانت نتائج الانتخابات.
لا يتردد اسم السنيورة ولا بهاء الحريري. هما حكماً أكبر الخاسرين في معركة التناتش على تركة الحريري. يميل من خرق المقاطعة إلى التصويت لبدر وبنسبة أقل إلى مخزومي. لتبقى لائحة «بيروت التغيير» الأكثر حضوراً من بين لوائح «قوى الاعتراض»، يعود الفضل في ذلك إلى مرشّحها إبراهيم منيمنة. وحده من بين «التغييريين» من يحضر اسمه على الألسنة وحصراً ضمن الشبابية. بالطبع شريحة واسعة لا تتقبل ما يسمى بـ«المجتمع المدني» تبعاً لخلافٍ ثقافيّ معها. هؤلاء يعارضون الزواج المدني وزواج المثليين. بعضهم لا يميّز بين النوعين، والبعض الآخر يفترض أن الزواج المدني يبيح الزواج بين الأخ وأخته وبين العمّة وابن أخيها!
راضين أم لا، أكّد جزء نسبته متوقّعة من مناصري تيار «المستقبل» أن التزامهم مع سعد الحريري ثابت.