حال السلم والحرب: حماية دائمةتنقسم الحالات التي ينظّمها القانون الدولي بشكل رئيسي إلى حالتين؛ حال السلم التي ينظّمها القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق المعنية، وحال الحرب، أو ما يسمى بحالات النزاع المسلح، التي ينظّمها القانون الدولي الإنساني والأعراف المتعلقة بالنزاعات. مع العلم بأنّ حال الحرب لا تلغي، بأي شكل، القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكنها تخلق حاجزا إضافيا من الحماية والتنظيم، فيتم إعمال قانون الحرب بشكل أخص. وبصورة عامة، يبقى للقانون الدولي لحقوق الإنسان حُكمه في الحالات التي لم يأتِ القانون الدولي الإنساني على ذكرها. ففي الوضع الطبيعي الخالي من أي نزاع أو عدوان من طرف على آخر، تكون لحرية الصحافة مكانة واحترام باعتبارها صورة من صور حرية التعبير. وقد أكّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مادته 19، على اعتبار حرية التعبير مكفولة بكل صورها. ولحق العهد المدني للحقوق المدنية والسياسية بتأكيد هذا الحق في المادة 19 منه باعتباره حقاً من الحقوق الأساسية أو ما يشاع تسميتها بحقوق الجيل الأول. لم يقتصر ذكر هذا الحق على كل من الإعلان العالمي والعهد المدني فحسب، بل تبعهما في ذلك عدد من الإعلانات الدولية والإقليمية، كإعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978، وإعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات، وبعض التقارير كالتقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير 1993.

جريمة حرب
أمّا في حالات الحرب، او النزاع المسلّح، التي تشمل الاحتلال، والمنطبقة على الوضع في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، تنطلق القوانين التي تنظّم عمل الصحفيين خلال تغطيتهم للأحداث في مناطق نزاع مسلح ابتداءً من القانون الدولي الإنساني، وتحديداً البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 بنص مادته 79 (1) التي تعطي وصف «المدني» لكل صحافي يباشر عمله في مناطق نزاعات مسلحة. ويبنى على هذا الوصف حماية أكثر توسّعاً من حماية أولئك الذين يطلق عليهم وصف «العسكريين». والتمييز ما بين المدنيين والعسكريين في القانون الدولي الإنساني، يحتّم على الأطراف المتنازعة احترام عدة مبادىء تجعل من المدنيين أشخاصاً محميين، وأي تعرض لهم يكلّف الطرف المعتدي مسؤولية القيام بجرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي أمام المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، فإن توجيه اعتداء إلى الصحافيين قد يودي بحياتهم هو من جرائم الحرب التي تنتهك مبدأ التمييز الذي يوجب على الأطراف المتقاتلة أن تميز في توجيه هجماتها بين العسكريين والمدنيين. وبالتالي، فإن العسكري الذي يوجّه سلاحه بشكل متعمد نحو صحافي تظهر على هيئته ما يدلل على طبيعة عمله (وهو لباس الصحافيين المعتمد دوليا)، معرّض للمساءلة الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية. أمّا القانون الدولي الإنساني العرفي، فقد أكد أيضاً، في القاعدة 34 منه، على ما جاء في نص المادة 79 الآنف ذكرها من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وعلى تأكيد حقيقة أن الصحافي يعامل معاملة المدني، وتتم حمايته وعدم التعرض له ما دام لم يشارك بدور مباشر في الأعمال العدائية.

جريمة ضد الإنسانية
القانون الدولي الإنساني واضح في ما يتعلق بحماية المدنيين وعدم التعرض لهم بأي شكل من أشكال العنف والاعتداء، وأي استهداف للصحافي يعتبر استهدافا للمدنيين وانتهاكا للقانون الذي يعد ذلك جريمة حرب. أمّا الواقع الذي تشهده الصحافة في الأراضي المحتلة من اعتداءات مستمرة وممنهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تمتد إلى سنوات طويلة وتشمل القتل العمد والاعتقال غير المبرر والعنف والتشويه وتقييد الحركة وحرية التعبير، فتصل إلى اعتبارها جريمة ضد الإنسانية. وهي جريمة أخرى منفصلة عن جريمة الحرب بحسب تصنيف القوانين الدولية لها، باعتبارها أكثر فظاعة، وعليه تتطلب اهتماماً خاصاً تتحرك من خلاله كافة الجهود الأممية للنظر فيها وملاحقة مجرميها.

الحقيقة المرّة
رغم وضوح القانون في موقفه من احترام حقوق الصحافيين وتوفير الحماية المدنية الموجبة لهم، إلّا أن الواقع في فلسطين هو مرآة تعكس حقيقة قصور المنظومة الدولية عن حماية الصحافيين الفلسطينيين، كغيرهم من مئات الآلاف من المدنيين الذين ينالهم بطش الاحتلال وأعوانه. كما يشهد الواقع خذلان الكثير من وسائل الصحافة، عالمياً وعربياً، حتى في تداولها انتهاكاً صارخاً على المهنة التي تنتمي إليها، فنجد تقارير خرجت بعناوين مخزية من صحف عالمية وعربية تتحدث عن «موت» وعن «أسباب غير واضحة». كما نشهد نفاق المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، خصوصاً تلك المختصة بالدفاع عن حريّة الصحافة. إذ تستخدم هذه المنظمات لغة خطيرة في تقاريرها عند الحديث عن انتهاكات الصحافة، وتساوي بين الاسرائيلي والسلطات الفلسطينية في تقييد حرية الصحافة.
رغم وضوح القانون في احترام حقوق الصحافيين وتوفير الحماية لهم، إلّا أن الواقع هو مرآة تعكس قصور المنظومة الدولية

وهو، وإن صح في ما يخص تعاملات السلطات مع الصحافة داخلياً، إلا أن من الخطورة جمع المحتل في جملة واحدة تساويه بغيره وتجعله سلطة أمر واقع لها ما لها وعليها ما عليها، من دون النظر إلى واقع الاستعمار الذي يعتبر سبباً رئيسياً في واقع الصحافة اليوم، كما يلاحظ غياب جهود حقيقية فاعلة على أرض الواقع. إذ تكتفي المنظمات بإصدار تقارير عن هذه «الانتهاكات»، والمناشدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي كل مرة يتم اغتيال صحافي على يد الاحتلال تتم الدعوة إلى فتح تحقيقات بجهود مشتركة تسمح للطرف الاسرائيلي بالتشكيك في الحقيقة وتصدير رواية زائفة، ثم تغيب التحقيقات عن المشهد ولا نعلم بما ينجم عنها. في الواقع، ورغم أنّ قرار المدعية العامة بفتح التحقيقات في الجرائم الإسرائيلية الذي صدر مؤخراً قد يعني رمية حجر في المياه الراكدة منذ عقود، لكن ما نخافه، أو نعلمه مسبقاً، هو الدعم الدولي لاسرائيل بمساندة الأم الحاضنة أميركا، وهو الأمر الذي يجعل مصير أي بصيص أمل نجم عن بعض التحقيقات والتقارير التي أدانت اسرائيل سابقاً الانخفات، لأن القانون الدولي لا يعمل وفق نظام محاسبة عادل، بل بحسب ميزان القوى الراجح دوماً لصالح الأقوى ودعمه الاقتصادي والعسكري. فحتى لو جاءت التحقيقات بنتائج تكشف الحقيقة، من الذي سيحاسب «اسرائيل»؟
من سيحاسب الاحتلال الاسرائيلي فعلاً هو من يقاطعه ويقاطع أي علاقات اقتصادية ودبلوماسية معه، ومن يحاسب اسرائيل لن يدينها فقط، بل يقاطع كل صحفها ووسائلها الإعلامية ويدعم مقاومتها بالفعل والكلمة، وفي ذلك بعض من ثأر للصحافيين الفلسطينيين الذين قضوا في سبيل الحقيقة... في سبيل الحرية.



«مؤسسة» إسرائيلية للتضليل


لدى العدو الإسرائيلي مؤسسة مختصّة بتضليل الحقائق لصالحه تدعى {هاسبارا}. معنى الكلمة بالعبرية {شرح} ومن وظائفها تعميم شرح خاص لوقائع تتعلق بـ{إسرائيل}. المؤسسة تدرّب آلاف الطلاب من 95 جامعة كندية واميركية وقد قدمت 3000 منحة حتى الآن. تعمل {هاسبارا} منذ يوم الأربعاء على تشويه الحقائق من خلال تعميم فيديو يزعم ان مسلحين فلسطينيين هم من اطلقوا النار على الصحافية شيرين أبو عاقلة. وتتواصل {هسبارا} مع آلاف الصحافيين والديبلوماسيين والاكاديميين غربيين وقد بدأت توزيع أخبارها وتقاريرها المضللة في بعض دول الخليج.