طار الـ«كابيتال كونترول» مجدداً، وهذه المرة أيضاً تحت عنوان «الحفاظ على حقوق المودعين ورفض تحميلهم الخسائر وربط إقرار القانون بخطة حكومية شاملة». وصل النواب أمس بنيّة متابعة النقاش الذي توقف عند المادة الثالثة أول من أمس، لكن تسريب مسوّدة خطة مالية للحكومة تُحمّل المودعين 60 مليار دولار بموازاة اعتصام واسع لجمعية المودعين، ساهما في فضّ الجلسة حتى قبل أن تبدأ. فقد طالب كل من النواب: إبراهيم كنعان وآلان عون وجورج عدوان بالاطلاع على خطة التعافي التي كان ينفي أصحابها وجودها، رابطين استكمال النقاش بالكشف عنها أمام الرأي العام. هكذا، خرج عدوان وعون، وفُقد نصاب الجلسة بعدما بقي 11 نائباً فقط في الداخل. بعض النواب صنّف أداء الثلاثة بالشعبوية والمزايدات وخصوصاً قبيل الانتخابات النيابية، وبأن النقاش داخل الجلسة كان ينسف كل نقاط القانون بصيغته الحكومية ويعدّلها بطريقة تخدم المودعين. وبالتالي كان من الممكن إعداد قانون على قياس الناس لا على قياس مصرف لبنان. فيما نفى النواب المعترضون تهمة «الشعبوية» عنهم، مشيرين الى استعدادهم للعودة الى الجلسة حالما يُكشف عن الخطة المالية وتوزع المسؤوليات والخسائر. قبيل ذلك، كان لافتاً «استقتال» النائب نقولا نحاس للإسراع في إقرار المواد على طريقة «نفّذ ولا تعترض»، بمؤازرة من نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي ودعم نائبَي تيار المستقبل محمد الحجار ورلى الطبش ونواب الحزب الاشتراكي وحركة أمل. فيما اتخذ نواب حزب الله موقفاً متمايزاً ووضعوا مجموعة ملاحظات على بنود القانون لإضفاء تعديلات جوهرية عليه، من باب أنه حاجة في ظل الانهيار الحاصل وشحّ الدولار في احتياطي مصرف لبنان، ولأن المصرف لم يكشف حتى الساعة عن الأموال المتبقية لديه.وحتى بعد تسريب مسودة خطة التعافي المالي أمس، قدم النائب حسن فضل الله مداخلة داخل الجلسة وصف فيها ما يجري بـ«حفلة مزايدات في النقاشات والمواقف الإعلامية لأننا في موسم انتخابات، ولا أحد يقدم حلولاً لطريقة استعادة أموال المودعين ومعالجة أزمة المواطن، في حين أن الحكومة ستدخل بعد شهر في مرحلة تصريف الأعمال». وذكّر فضل الله بأن كتلته هي من «أول الرافضين المسّ بأموال المودعين»، داعياً إلى الاستماع لرأي ممثلي المودعين، ومشيراً الى إصرار الكتلة على إضافة نص واضح في بداية القانون يؤكد عدم المس بالودائع وإمكانية رفع سقف السحوبات بما يتناسب وحاجة الناس. وشدّد فضل الله على أنه «لا يجوز ترك البلد معلقاً على حسابات ضيقة، وإلا من سيقول للناس كيف سيوفرون القمح والدواء والمشتقات النفطية، ومن سيقدم الى المواطن الحلول، ومن سيفرض على المصارف إعطاء المودعين حقوقهم؟ المسؤول لا يأتي ليطلق خطاباً شعبوياً انتخابياً، بل يقدم حلاً». وتوجه الى الذين يريدون حماية أموال المودعين، قائلاً: «لدينا اقتراح واضح: أن نخرج الآن بقانون نصه واضح يلزم المصارف بإعطاء المودع أمواله بدل كل هذه الخطابات والوعود والمزايدات». إلا أن أحداً من الحاضرين لم يتجاوب معه، بل فاجأ نحاس والفرزلي زملاءهما بالمزايدة عليهم أمس عبر مطالبتهما أيضاً بدراسة الخطة الحكومية!
من جهته، كرر عدوان لـ«الأخبار» رفض المشاركة في أي نقاش قبل الإعلان عن الخطة المالية، «اذ تغيّر الوضع بعد الكشف عنها لكونها تتضمن شطباً لـ 60 مليار دولار وتحميلها للناس». وأضاف: «إذا لم تحدد الخسائر وتوزع المسؤوليات يعني عم نلعب. لأن الخطة تنعكس على تفاصيل الكابيتال كونترول من ناحية تحديد مدته وطريقة التعامل مع أموال المودعين». فيما أشار النائب عون إلى أنه أبلغ الحاضرين في بداية الجلسة عدم استكمال النقاش من دون وجود خطة حكومية «لأن القانون يفترض أن يكون نتيجتها وليس هدفاً بحدّ ذاته. وهو الأمر نفسه الذي دفعنا الى التصويت ضد استكمال النقاش في جلسة أول من أمس». بدوره، طالب كنعان بمصارحة الناس بالحقائق، مؤكداً أن «تشريعاً بهذه الأهمية في زمن الانتخابات ليس محموداً، فبعد الانتخابات هناك شرعية شعبية جديدة ومجلس نيابي سيقوم بمهامه». أما النائب جميل السيد، فرأى أن ما يجري هو «خطة لوضع اليد على ما تبقى من أموال الناس، وبنية لفرض لجنة يترأسها اللصوص أنفسهم وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المطلوب دولياً، ومنحها صلاحيات مطلقة للقيام بما يحلو لها وباستنسابية كاملة. وزاد على الطين بلة مسودة الخطة المالية التي لم تكتف بحجز أموال المودعين، بل تريد تحميلهم وزر الخسائر المالية وإعطاء عفو عام مالي تام لكل السارقين».
بهذا، بات من الواضح أن القانون لن يرى النور قبل الانتخابات النيابية إلا في حال توافق سياسي تام من المستبعد أن يحصل قبيل أقل من شهر على موعد الانتخابات. رغم ذلك، بدا الفرزلي متفائلاً، إذ طمأن النواب الى انعقاد جلسة لجان مشتركة يوم الثلاثاء المقبل لاستكمال النقاش. قبيل ذلك، وعند دخوله الى المجلس، قام بدهس المعتصمين بسيارته مبرراً ذلك بالدواعي الأمنية. لاحقاً، توجه الفرزلي ونحاس للقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبالتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليعلن بعدها أن «مسألة حقوق المودعين لم تقرر بعد في مجلس الوزراء (...) لكن الخطة المبدئية تحمي حقوق المودعين بنسبة 85% بصورة مباشرة، أما بالنسبة الى 15% الباقية فهناك خطة يجب أن يطّلع عليها النواب أيضاً».
اقترح فضل الله نصاً قانونياً واضحاً يلزم المصارف اعطاء المودع أمواله بدل كل الوعود والمزايدات

بدوره، لفت ميقاتي الى أن «مشروع القانون يهدف إلى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على تلك التحاويل والسحوبات النقديّة، وهو بهذا التوصيف، لا يتعلق بحقوق المودعين بل يشكّل أرضية يشترطها صندوق النقد الدولي في سبيل عرض خطة التعافي». ووجّه ميقاتي رسالة الى المجلس النيابي مرفقة بنسخة عن الخطة المبدئية التي عرضتها الحكومة لوضع الملاحظات على مضمونها، «علماً بأن رئيس الحكومة كان قد طلب من الوزراء في الجلسة الأخيرة وضع ملاحظاتهم على المشروع قبل إنجازه وإحالته بموجب مشاريع قوانين عدة على مجلس النواب لدرسها وإقرارها».
في خضم كل ذلك، ثمة سؤال مشروع عما دفع رئيس الحكومة وأزلامه الى «الاستقتال» لإمرار الـ«كابيتال كونترول» بصيغته الحكومية، رغم وجود مشروع مدروس في لجنتَي المال والموازنة والإدارة والعدل ومقرّ منذ حزيران 2021؟ وهل يجري ذلك كله في إطار إنقاذ المصارف التي استشرست لعدم إقرار القانون بمساعدة من مجلس النواب منذ بداية الأزمة لضمان تهريب أموال رؤساء مجالس الإدارة والنافذين والسياسيين الى الخارج، وتستشرس اليوم لإقراره تحت وطأة الخوف من مقاضاتها ولضمان إيقاف كل القضايا المرفوعة ضدها داخلياً وخارجياً؟