في كل استحقاق داخلي، تبقى الآمال معلقة على الأيام واللحظات الأخيرة من أجل تبيّن صحة الاحتمالات المطروحة، ربطاً بالتطورات الإقليمية والدولية. في استحقاق الانتخابات، بدأ الرهان مبكراً على مصير الاتفاق النووي لوضع سيناريو محتمل لمصير الانتخابات. ثم انتقل الكلام إلى مصير الحكومة العراقية، ومصير الحرب الروسية - الأوكرانية، وحالياً التطورات الفلسطينية، بعدما تراجع الكلام عن تأثير حرب سوريا.ولأن اللعبة الداخلية باتت لا تشكل سوى محطة عابرة من بين المحطات الأساسية، تحول الكلام عن الانتخابات الفرنسية والعودة السعودية إلى بيروت مؤشراً عن نتائج محتملة للانتخابات اللبنانية وما يمكن أن يليها، ليضاف إلى سلسلة المؤشرات حول مصيرها، لا سيما ما يتعلق باحتمال تأجيلها. فرغم التأكيدات المتتالية الصادرة عن مراجع رسمية، لا يزال الشك قائماً حول وجود عقبات إدارية ولوجيستية، خصوصاً في الشق المتعلق بالانتخابات خارج لبنان، والمرجح أن يتحول تدريجاً أحد الملفات الأساسية في مواكبة الانتخابات، وسط اتهامات مسبقة من بعض السياسيين المعارضين للسلطة بالتحضير لعمليات تلاعب في اقتراع غير المقيمين.
في موازاة ذلك، تولي المعارضة والموالاة اهتماماً بالعودة السعودية، التي ظهر منها حتى الآن اقتصارها على أمرين: المساعدة الإنسانية التي لن تمر عبر مؤسسات الدولة، وإقامة إفطارات يشكل المدعوون إليها مروحة واسعة ممن تربطهم علاقة رسمية أو صداقة بالسعودية.
ورغم الإطار «الرسمي» للعودة السعودية فإنها لا تزال مبهمة بالنسبة إلى بعض الحلفاء الذين لم يلمسوا، في شكل واضح بعد، مستوى هذه العودة بعد انتهاء الإفطارات وشهر رمضان ومع اقتراب الانتخابات. فما يظهر هو أن الموالاة تعطي للعودة حجماً أكبر من ذلك الذي يبدو في وسط أصدقاء الرياض. إذ كلما بالغ خصوم السعودية في تكبير حجم مساعدتها لحلفائها في الانتخابات، تمكنوا من شد العصب الانتخابي ضد المعارضة. لكن بعض أوساط المعارضة لا تزال تتحدث بروية عن احتمالات السياسة السعودية بعد انتهاء الإفطارات والصور الرسمية. فالاتجاه السعودي، في معناه المباشر، لم يتبلور بعد في شكل واضح بدعم علني للمعارضة في مواجهة قوى 8 آذار. والأمر نفسه ينسحب على الطرف السني المعارض الذي يخوض الانتخابات في تنافس مع القوى السنية، سواء المنتمية إلى 8 آذار أو تلك القريبة من تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري. وهذا الأمر يشكل بالنسبة إلى أصدقاء السعودية، لا سيما من يفضّلون عادة إشارة مباشرة منها، بعض الإرباك. فالنشاط المعارض اتخذ في الأيام الأخيرة جرعة نشاط إضافية وبدأ يطرح بجدية احتمالات توسع قاعدة الربح على أسس انتخابية جديدة، محلية الطابع. لكن الجرعة السياسية الإقليمية من شأنها أن تشكل إضافة مساهمة، يمكن تحويلها تياراً معارضاً واسعاً.
في المقابل، وفيما تحاول قوى الموالاة استكشاف آفاق الدعم السعودي، تترقب باهتمام لم تعهده سابقاً ما ستسفر عنه الانتخابات الفرنسية الأحد المقبل. فالرهان على إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبدو حتى الآن أقرب إلى خط الموالاة منه إلى خط المعارضة التي سبق أن انتقدت مبادرات الرئيس الفرنسي وأداء طاقمه في لبنان، وعلاقته بحزب الله. وتوقع عودة ماكرون لخمس سنوات إضافية تعني في لحظة أساسية للبنان، استمراراً للسياسة التي بدأت في قصر الصنوبر، واستكملت بتنشيط علاقة باريس بحزب الله، وتسوية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتفعيل العلاقة مع السعودية لإقناعها بالعودة إلى لبنان ولو إنسانياً.
إعادة انتخاب ماكرون تعني استمراراً للسياسة التي بدأت في قصر الصنوبر

وهذا المسار الذي لم يشهده لبنان في نظرة باريس إلى قوى الموالاة، وتحديداً حزب الله، من شأنه أن يشكل ورقة أساسية في تسمية الرئيس الجديد للحكومة، ومسار الحكومة إلى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. علماً أن ماكرون يولي في سياسته الخارجية في ولايته الجديدة أهمية لإعادة تفعيل الدور الفرنسي في الشرق الأوسط، ولبنان جزء أساسي فيها، في ظل ما يمكن توقعه من الطاقم الفرنسي الجديد في إدارة ملف رئاسة الجمهورية، كاستحقاق بين خيارين يتعلقان ببقاء النظام الحالي أو عدمه. ولأن الرهان على ماكرون يبدو كبيراً بحسب ما تتحدث به أوساط في الموالاة في أكثر من مناسبة، فإن خشية المعارضة، من تأثير الانتخابات الفرنسية على بيروت، أن يكون تريث السعودية في إظهار موقفها العلني المباشر إلى جانب قوى المعارضة مرتبطاً كذلك بالانتخابات الفرنسية وسياسة الإدارة الفرنسية الجديدة في لبنان في المرحلة المقبلة. ما يؤدي إلى إبقاء الدعم السعودي دعماً معنوياً ومادياً محصوراً بالمساعدة الإنسانية. وهذا من شأنه أن يكرس استمرار «التخلي» السعودي عن لبنان، إلى أن يحين استحقاق إقليمي آخر يكون آنذاك، محكاً أساسياً في لعب دور فاعل أو استمرار سياسة اللاموقف.