تتجه المحادثات في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة نحو الانهيار بفعل تعثر وساطة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة، عاموس هوكشتين، وسط أجواء لا توحي بإمكانية حصول اتفاق قريب، وخصوصاً أن الوسيط الأميركي كان قد رهن مهمته بمهلة زمنية لإنجاز الاتفاق تنتهي عملياً أواخر الشهر الجاري. غير أن ذلك لن يكون له على الأرجح تأثير على العدو وعلى استمرار نشاطه في المياه المتنازع عليها (طبقاً للرسالة التي رفعها لبنان إلى الأمم المتحدة أواخر كانون الثاني الماضي) وعلى أعمال التنقيب والاستخراج التي تتولاها شركة «إنرجين» اليونانية.في بيروت، التقديرات بأن وساطة هوكشتين باتت في حكم المنتهية مع «هامش محدود لإعادة إحيائها»، بحسب مصدر مطلع على الاتصالات، «وهذا مرتبط بمدى استعداد هوكشتين ومدى التجاوب اللبناني والتزام التقيد بالمهل»، وهو أمر غير مؤكد، وخصوصاً أن السفارة الأميركية في بيروت تتجنب الحديث عن واقع الوساطة. التقديرات تشير أيضاً إلى أن العدو وشركة «إنرجين» من أبرز المستفيدين من سقوط الوساطة ومن حال المراوحة الطويلة في محادثات الترسيم، وقد لجأت الشركة الى تعزيز حضورها وزيادة الاستثمار، وصولاً الى بلوغ مرحلة الإنتاج من حقل «كاريش».
وفيما لا يزال الغموض يسود الأوساط الرسمية حول جواب لبنان على الاقتراح الأخير للوسيط الأميركي، وتفضيل أطراف في السلطة تأخير الأمر الى ما بعد الانتخابات النيابية، يتصرف الطرف الآخر على أساس أن لبنان أعطى جوابه فعلاً، بفعل التراجع عن الخط 29، والعودة إلى اعتماد الخط 23 كخط رسمي، كما أعلن الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب.
عدم الردّ خطيّاً برفض اقتراح هوكشتين شجّع الشركات الأجنبية على معاودة عملها في «كاريش»


وعلمت «الأخبار» أن إحدى سفن الجر، التي اتجهت بداية الشهر الجاري نحو سنغافورة لقطر سفينة الإنتاج FPSO التابعة لشركة «إنرجين» اليونانية الموكلة أعمال بدء الإنتاج من حقل «كاريش»، وصلت إلى وجهتها، فيما تخضع أخرى لأعمال صيانة في إمارة دبي في الإمارات العربية المتحدة، على أن تُبحر بعد أيام لتلتحق بشقيقتها خلال أسبوعين. ويتوقع أن تبدأ مرحلة الجر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على أن تصل السفينة إلى وجهتها في المياه المحتلة في مهلة لا تتعدى شهراً من الآن.
هذه المعطيات خالفت الجو الذي كان سائداً حول خشية الشركات من العمل ضمن المياه المتنازع عليها، بعدما نشطت السفارة الأميركية في بيروت لخلق ظروف تؤدي إلى إراحة تلك الشركات لاستئناف عملها، علماً بأنه لو صدر جواب برفض اقتراح هوكشتين من المستوى السياسي، لكان أدى ذلك إلى مزيد من الضغط على الجانب الإسرائيلي، ما سينعكس حكماً ضغطاً على العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، ويدفع بهذه الأخيرة إلى الضغط بدورها على تل أبيب خشية خسائر محتملة لاستثماراتها وتراجع تصنيفها التجاري. عودة «إنرجين» تحديداً إلى نشاطها يأتي، بتقدير خبراء، كنتيجة طبيعية لغياب الرد اللبناني، ما يثير الخشية من احتمال حصول تنازل «غير معلن» من الجانب اللبناني. ويبرر هذه الخشية تقصّد عدم الرد الخطي على اقتراح هوكشتين، الأمر الذي عزته مصادر متابعة إلى عدم إزعاج الجانب الأميركي، ما دفع الشركة إلى معاودة مزاولة عملها. ومع غياب الضمانة السياسية التي تحمي الحقوق، تبقى الضمانة الأخيرة في معادلة «الردع الأمني» التي تمتلكها المقاومة والتي يصفها خبراء بأنها «الرادع الوحيد» لوقف أعمال الإنتاج من كاريش، وتجميد وصول السفينة FPSO إلى المياه المحتلة. وفي هذا المجال، يُنصح بإعادة الاعتبار إلى معادلة «قـانا مقابل كاريش».