لذا يمكن السؤال فعلياً ما هو دور الناخب اللبناني في الأزمات المتتالية التي تلاحقه يومياً قبل شهر من 15 أيار. وهل يمكن للناخب أن يكون على بينة مما يريده المرشحون، بغض النظر عن المناظرات الحزبية التي تقيمها الأحزاب لمحازبيها؟
تمهيداً للانتخابات الفرنسية الرئاسية، كتب الكثير عن كيفية التحضير للقاءات عامة ومصغرة متخصصة لتحضير الناخبين لاختيار أفضل البرامج والمعايير الأخلاقية والسياسية والبيئية والاقتصادية. فأهمية الناخب أنه، ببساطة، ناخب يضطر زعماء الأحزاب إلى استرضائه في أدق التفاصيل، وليس بعناوين عامة وشعبوية. في لبنان، ورغم أن المرشحين يقومون بجولات وحفلات انتخابية، إلا أنهم - باستثناء قلة محدودة - يكادون لا يأتون على ذكر برنامج انتخابي واضح. فالمهرجانات الخطابية بنت في الأيام الأخيرة نفسها على حفلات هجاء متبادلة وإطلاق توصيفات ومعايير ينحدر فيها المستوى الأخلاقي والثقافي والسياسي. وعدا عن عنوان الصراع السياسي المتجدد بين قوى 8 آذار ومحاولات جمع أضدادها، وبين ما بقي من قوى 14 آذار، فإن ما يشهده لبنان اليوم ليس سوى واجهة مزيفة للانتخابات، يتحمل مسؤوليتها الناخبون الغائبون فيما يفترض أن يكونوا نجم انتخابات 2022.
ما حصل في قرار مجلس الوزراء بهدم أهراءات المرفأ يشبه القطيعة التامة بين طبقة سياسية وحكومة وعهد وبين الناس الذين هم ناخبون اليوم. وهذا يعكس، في واقعه الحقيقي، أن ثمة من يدرك أن هذا القرار لن يتحول كرة نار تنفجر في الشارع وفي وجه القوى السياسية في صندوق الاقتراع. لأن أي تبريرات علمية لا يمكن فهمها في لحظة تتعلق بحق شهداء المرفأ وأهاليهم، بل تعطي تأكيداً بأن القوى السياسية عادت لتتصرف وكأنها في مرحلة ما قبل 17 تشرين، في أداء يشبه تصرف بعض قوى المجتمع المدني والشخصيات التي ركبت موجة الشارع، لتصل إلى لقب مرشح للانتخابات ولو لم تصل إلى المجلس النيابي.
الكهرباء والخبز وتحقيق المرفأ وأموال المصارف كلها عناوين تبقى صالحة لانتخابات 2026
خطورة قرار هدم أهراءات القمح أنه متعدد الاتجاهات. لكن بوصلته أن الناخبين الذين لا يجدون ربطة خبز في الأفران، ويعرفون أن القمح إما مغشوش أو مفقود، يطلقون النكات حول طوابير الذل أمام الأفران كما فعلوا عندما وقفوا أمام محطات المحروقات. وهم أنفسهم الذين يدفعون ثمن صفيحة البنزين 450 ألف ليرة، بعدما كانوا يدفعون ثمنها 30 ألفاً قبل أشهر، وهم الذين لم يتمكنوا من تحصيل أموالهم في المصارف، ولا ينعمون بكهرباء مؤسسة الكهرباء ولا كهرباء المولدات إلا بعد الدفع بالدولار، فيما يرفعون أعلام أحزابهم على شرفات منازلهم. وهم أنفسهم موظفو القطاع العام الذين لا تدفع لهم المصارف الإضافة على رواتبهم رغم تعميم مصرف لبنان. وهم الذين ظن مخطئاً وزير الاتصالات بأنهم قد يؤثرون سلباً في الانتخابات، فتقرر إرجاء رفع تسعيرة الإنترنت من أول أيار إلى أول حزيران أي بعد انتهاء الانتخابات.
هؤلاء الناخبون، ومرشحو المجتمع المدني في مقدمهم، غضوا النظر عن قرار خطير بالمعنى الجوهري بحجم تأجيل الانتخابات البلدية إلى العام المقبل كي يتسنى للنواب المنتخبين وضع البلديات تحت وصايتهم. هؤلاء الناخبون سيكونون على الموعد في 15 أيار، لأن المرشحين يحتاجون إليهم أمام عيون المجتمع الدولي، للقول إنهم أتموا واجباتهم الديموقراطية في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وإنتاج مجلس شبيه بالحالي. أما الكهرباء والخبز وتحقيق المرفأ وأموال المصارف فكلها عناوين تبقى صالحة لانتخابات 2026.