بـ«السراج والفتيلة» تبحث المنظومة السياسية - المالية - القضائية - الإعلامية عما يدين القاضية الوحيدة التي تجرّأت على المس بحاكم المصرف المركزي وشقيقه وشركائه وتهريب المصارف أموال المودعين، ويبدو أنها وجدت «ضالّتها» أخيراً في ذريعة سفر المدعية العامة لجبل لبنان القاضية غادة عون من دون إذن، والمسّ بسمعة قاض زميل لها.قد تكون عون ارتكبت خطأ شكلياً، ومن المؤكد أنها أخطأت بقبولها الظهور إلى جانب المرشّح للانتخابات النيابية عن طرابلس عمر حرفوش، إلا أنّ المفاجئ أنّ التفتيش القضائي الغارق في سبات منذ فترة طويلة لم يوقظه أيٌّ من ملفات الفساد وسرقة أموال المودعين، استيقظ فجأة على خطأ شكلي، وقرّر رئيس الهيئة بركان سعد أن يضرب بسيف السلطة المالية - السياسية لتأديب من تجرّأ على التغريد خارج سرب القضاة الصامتين، مدعوماً بموقف زملائه في مجلس القضاء الأعلى الذين طالبوا بمحاسبة عون والقاضي فيصل مكي وإحالتهما على المجلس التأديبي. وتترافق إحالة أي قاض على المجلس التأديبي عادة مع طلب وزير العدل كفّ يده ووقفه عن العمل إلى حين صدور القرار، ما يعني إطاحة ملف التحقيق مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي تتولّاه غادة عون. وهنا بيت القصيد. إذ قد تكون هذه هي التخريجة التي سُرِّب إلى بعض المصارف أخيراً أن العمل جارٍ عليها لتجميد القاضية عون، علماً بأن مجلس القضاء نفسه الذي استنفر لمحاسبة عون، سبق أن عقد تسويات مع قضاة فاسدين وسمح لهم بالاستقالة هرباً من المحاسبة مع ضمان تقاضيهم رواتبهم التقاعدية. والقيّمون على السلك القضائي أنفسهم لم يُحرّكوا ساكناً لملاحقة قضاة عدلياً رغم ثبوت تورطهم في ملفات فساد كبيرة من قبض رشى وخدمات جنسية وتذاكر سفر وأونصات ذهب لتغيير بعض الأحكام.
وكانت عون قد زارت مجلس الشيوخ الفرنسي، الأسبوع الفائت، بناءً على دعوة رسمية أكّدت لـ«الأخبار» أنها أبلغت وزير العدل هنري خوري بها عبر الهاتف، وأنّها تقدّمت بإذن سفر أيضاً. ترافقت الزيارة مع نشر فيديو لها تحدثت فيه عن ارتهان بعض القضاة وسطوة السياسة وعن خوف بعض القضاة بما يحول دون إحقاق الحقّ. استنفرت هذه التصريحات أهل القضاء والسياسة والإعلام، فاتصل وزير العدل الموجود خارج لبنان برئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الذي طلب من رئيس هيئة التفتيش القضائي إحالة عون على مجلس تأديب القضاة «بسبب سفرها من دون إذن رسمي وإدلائها بشهادات مسيئة ضدّ قضاة لبنانيّين».
مصادر مجلس القضاء الأعلى أكّدت أن القاضية عون «اتصلت فعلاً بوزير العدل لإبلاغه بتلقيها الدعوة فطلب منها أن ترسل له نصها، إلا أنها لم تفعل. وعندما عاود سؤالها عنها لم تُجبه، وسافرت من دون إذن خطي أو حتى موافقة عبر الهاتف. بناءً على ذلك، رأى وزير العدل أن لا وجود لدعوة من مجلس الشيوخ الفرنسي لأن دعوات كهذه تُرسل عبر وزارة العدل قبل أشهر من موعد المؤتمر، وليس بشكل شخصي إلى القضاة قبل أيام قليلة من الموعد المحدد».
وعلمت «الأخبار» أنّ وزير العدل سيطلب فور عودته من السفر تحويل القاضية عون إلى هيئة التفتيش لسفرها من دون إذن رسمي. وأوضحت المصادر أن الإجراءات ضدها مردها الملابسات التي رافقت الزيارة، منها إشارتها إلى أن القاضي بيار فرنسيس طلب التنحي عن ملف رجا سلامة لأنه خاف، وتصرفها كإعلامية وليس كقاضية في حفل عشاء تحدثت خلاله عن الفساد القضائي واستنسابية القضاة، وتسريبها معطيات خرقت سرية التحقيق خلال حديثها عن ملف رجا سلامة». يُضاف إلى ما سبق، وجود عدد كبير من الشكاوى في سجل القاضية عون أمام هيئة التفتيش القضائي، علماً بأن عدداً كبيراً من هذه الشكاوى كيدي ومرتبط بفتحها ملفات المصارف.
استيقظ التفتيش القضائي فجأة على خطأ شكلي بعد سبات طويل لم يوقظه منه أيٌّ من ملفات الفساد وسرقة أموال المودعين


عون أكدت أنها ستذهب إلى هيئة التفتيش القضائي الأسبوع المقبل، وردت على الحملة التي شُنّت ضدها بنشر نصّ الدعوة التي تلقّتها من نائبة رئيسة لجنة القوانين في مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه. وأكدت لـ«الأخبار» أنّها أبلغت وزير العدل هاتفياً بالدعوة، وأرسلت له طلباً خطياً بذلك قبل أسبوع. كما أبلغت مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الذي «أجابني: الله معك». واستغربت خبر إحالتها الى مجلس التأديب من قبل هيئة التفتيش قبل أن تستمع اليها أصلاً، مؤكدة أنها لم ترتكب أي خطأ بقبول دعوة غوليه بصفتها منظّمة للمؤتمر الذي يُعقد بمبادرة من حرفوش. أما في ما يتعلق بالصورة التي انتشرت لها شابكة ذراعها بذراع حرفوش، فلفتت إلى أنّها تعاني كسراً في قدمها، وكان حرفوش يساعدها أثناء سيرها.