لم يعد اتحاد جمعيّات العائلات البيروتيّة بخير. عرف فؤاد السنيورة كيف يخرق الهيئة التي أسسها رفيق الحريري للمّ شمل «البيارتة» خلفه واختيار المرشحين للانتخابات النيابية والبلديّة في العاصمة. معظم الأعضاء خلعوا «الثوب الحريري» ووافقوا على المشاركة في الانتخابات والتصويت للائحة التي يدعمها. وإلى السنيورة، تمكّن فؤاد مخزومي ونبيل بدر أيضاً من حجز «حصة» في ترشيح بعض الرموز أو أعضاء من الهيئة الإدارية. كلّ ذلك يشي بأن «الاتحاد» الذي عاش عزاً إبّان عهد الحريري الأب، بات مهدداً اليوم بالتحوّل إلى جمعيّة خيريّة لتوزيع التبرّعات على المحتاجين
عام 1998، تلقّف الرئيس رفيق الحريري فكرة جمع شمل العائلات البيروتية. كان الهدف حاضنةً بيروتية للرجل الآتي من صيدا بعدما استطاع خلق حالة شعبيّة في العاصمة. انكبّ وفيق سنو الذي كان متحمّساً للفكرة على تأسيس اتحاد جمعيات العائلات البيروتيّة وتولّى رئاستها حتى عام 2001 حينما كان يضم أكثر من 80 عائلة. في الداخل، عرف «أبو بهاء» كيف يدير التوازنات. أغدق المال على الهيئة الإدارية لتتمكّن من مساعدة «البيارتة» وفتح أبواب مؤسساته لتقديم المنح المدرسية والجامعية لأبنائهم. كانت الهيئة ممراً إلزامياً لمن يريد الدخول إلى حلقة العمل الضيّقة للحريري. ومن هذا الائتلاف، صار يخرج الدّخان الأبيض بشأن لوائح الانتخابات النيابيّة والبلديّة في العاصمة، ولو اختلفت الروايات حول ما إذا كان باستطاعة «الاتحاد» فرض أسماء مرشحيه على «دولة الرئيس»، أو أن العائلات البيروتية بقيت على السمعة والطاعة في من يُفضّله «دولة الرئيس» ويهمس باسمه في آذان أعضاء الهيئة ليتم اختياره بين الراغبين. هكذا، استند الحريري إلى «جبل الاتحاد» في كل الملفّات التي تتعلّق ببيروت، وكان يُردّد: «الاتحاد هو حزبي».
كما الأب كذلك الابن، أدرك سعد الحريري سريعاً قيمة الاتحاد في تأمين غطاء بيروتي. صحيح أنّه لم يوله الاهتمام نفسه الذي كان يوليه إياه والده، إلا أنّه كان حاسماً في الإبقاء على التواصل وعلى العلاقات الممتازة مع هيئته. لم يدم «شهر العسل» طويلاً، إذ سقط رئيس تيار المستقبل في مطب الطامحين إلى السلطة داخل الاتحاد. كانت السقطة الأولى عام 2017 حينما رفض التمديد لمحمد فوزي زيدان، فيما قبِل بالتمديد للرئيس الحالي محمّد عفيف يموت عام 2020. حينها، احتدمت الأزمة فـ«حرد» زيدان، وقرّرت أكثر من 15 عائلة الانسحاب من الاتحاد مع الكابتن عماد حاسبيني الذي كان يمنّي نفسه برئاسة الاتحاد، قبل أن يعلن انشقاقه ويؤسّس «الاتحاد الأهلي البيروتي».
مع ذلك، بقي «الاتحاد» بخير. قلب صفحة حاسبيني كـأنّها لم تكن، واستمر بـ«يدٍ واحدة» واقفاً خلف الحريري. كان الدعم للشيخ سعد بديهياً على اعتبار أنّه الزعيم السنّي الأقوى ولو خفتت جماهيريته.
يموت: الحريري ليس عاتباً على «الاتحاد»


اليوم، كل شيء تغيّر. بكل بساطة، لم يعد الاتحاد لـ«ابن الرئيس الشهيد» بعدما علّق عمله السياسي. لذلك، لم تكن فكرة مقاطعة الانتخابات النيابيّة ترشيحاً أو انتخاباً مقبولة خلال النقاشات التي أُجريت في الهيئة الإدارية على مدى الأسابيع الماضية. فكانت النتيجة أن خلع معظم الأعضاء عنهم «حريريّتهم» وصمّوا آذانهم عن رغبة رئيس المستقبل في عدم ترشّح الشخصيات السنية إلى الانتخابات. بالطبع، لم ينجح الأمر إلا بعدما نخر فؤاد السنيورة عظام الاتحاد بتأليب الأعضاء ضد قرار الحريري. يعرف ابن صيدا أن دخوله في مجلسٍ بيروتي سيكون محالاً، فكلّف حسن منيمنة وعمّار حوري الدعوة إلى اجتماعاتٍ مكثّفة للاتحاد كانا يصرّان فيها على إخراج السنيورة من المشهد على اعتبار أنه لن يتدخّل في اللائحة التي ستشكّل، بغض النظر عن دعمه لها. وتحت عنوان ضرورة الترشّح «كي لا يأكلنا حزب الله»، قطف «رجال السنيورة» حصّة الأسد في الاتحاد بعدما أقنعوا رئيسه والرؤساء السابقين وغالبية الهيئة الإدارية بضرورة المشاركة في الانتخابات. البداية كانت من الرئيس الحالي الذي وُعد بأن تكون له الكلمة الفصل في أسماء المرشحين، فاختار يموت مرشّح عائلة دمشقية، ماجد دمشقيّة. كما تقرّر الإتيان بمرشّح قوي من قلب الاتحاد على لائحة السنيورة، هو بشير عيتاني، علماً بأن الأخير هو مرشّح عائلته ومدعوم من رئيس الاتحاد السابق محمّد أمين عيتاني.
في المحصلة، خسر الحريري حزب والده الأول بعدما صار الاتحاد فعلياً في جيب السنيورة. من أدار الظهر لرئيس المستقبل يُراهن «صولد» على أن حالته انتهت ولن يعود إلى الحياة السياسية. هم متأكّدون أن «دولته» عاتب على جحود البعض، ولو أنّه لم يعمد إلى إرسال الملامة عبر بعض المقربين منه في الداخل.

ترشيحات بالجملة
وإذا كان السنيورة قد نجح في استمالة السواد الأعظم من الاتحاد، فإن لرئيس نادي الأنصار نبيل بدر والنائب فؤاد مخزومي حصتيهما أيضاً. لمحة سريعة على أسماء أعضاء الهيئة الإدارية الـ 18 والرموز البارزة للاتحاد تؤكّد التشرذم، إذ إنّ اثنين من أعضاء الهيئة أعلنا ترشيحهما: دمشقية على لائحة السنيورة ويسرى التنير مومنة على لائحة نبيل بدر، إضافة إلى حسن كشلي على لائحة مخزومي. هذه السابقة تنضمّ إلى سابقة نشر ما يحصل في الاجتماعات على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ نشرت يسرى مومنة أكثر من «بوست» على فايسبوك اتّهمت فيه يموت بـ«التضليل والتحايل على عائلات بيروت لإيهامها بأنه شكّل مع غيره هيئة لاختيار مرشحين يدّعي أنهم طُرحوا من قبل عائلاتهم للمشاركة في الانتخابات النيابية. وهو في الواقع لم يستشر أي عائلة في الاتحاد، بل استزلم لجماعة السلطة الحاكمة».
كلّ هذا يعني أن «العز» الذي ناله الاتحاد بعد تأسيسه في التسعينيات ذهب إلى غير رجعة. حتماً، لن يكون بمقدور «منتج الحريري» أن يختزل العائلات الـ 98 التي تنضوي في إطاره في مرشح أو اثنين خلال المرحلة المقبلة، أو حتى الالتفاف حول مرشحين للانتخابات البلدية. فعلياً، انتهى الدور السياسي للاتحاد في توحيد الصف السني البيروتي خلف زعيمه، ولن يكون بمقدوره في المرحلة المقبلة إلا أن يكون جمعيّة خيريّة تستقبل التبرّعات وتوزّعها على «المحتاجين البيارتة». هذه الهواجس تدور في أذهان العديد من أعضائه، وخصوصاً أولئك المحسوبين على الحريري. يعبّر هؤلاء عن خوفهم على مصير الاتحاد في حال عدم نجاح المرشحين على لائحة السنيورة في دخول المجلس النيابي. فيما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، بالتساؤل عن كيفيّة قيام الحريري بـ«قصّ أجنحة» المسؤولين عن تغيير وجه الاتحاد في حال عودته إلى الحياة السياسيّة.
في المقابل، يكابر كثيرون بقولهم إن الأمور تحت السيطرة. واحدٌ من هؤلاء هو محمد عفيف يموت الذي يقول لـ«الأخبار» إن «أعضاء الاتحاد ما زالوا يداً واحدة، والهيئة الإدارية اختارت دمشقية بالغالبية الساحقة»، لافتاً إلى أنّ اللائحة ليست لائحة السنيورة بل هي لائحة الاتحاد، إذ إننا لسنا تابعين لأحد بل نشارك في صياغة القرارات». ويشير إلى أنّه على اتصالٍ دائم مع الحريري لوضعه في أجواء ما يحصل «ولم يصلني أي خبر أن الرجل عاتب، وخصوصاً أنه لم يدعُ إلى عدم المشاركة بل علّق عمله السياسي»، معتبراً «أننا نسّقنا مع السنيورة لأنه مكلّف من رؤساء الحكومات السابقين بشأن الانتخابات النيابية».