بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل من المشهد الانتخابي، وعزوف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأعضاء نادي رؤساء الحكومات السّابقين عن الترشّح للانتخابات، توجّهت الأنظار نحو قوى وشخصيات سنّية تقليدية وزعامات محلية، وخصوصاً التيارات الإسلامية، ما يثير مخاوف من أن يملأ «متطرفون» الفراغ الذي خلّفه «المعتدلون»، خصوصاً في الدوائر ذات الثقل السني كما في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية).مصادر إسلامية مطّلعة تؤكّد أنّ «الظروف تغيّرت كثيراً والسّاحة الإسلامية شهدت تشرذماً كبيراً انعكس في عدم اتفاقها على التحالف انتخابياً واغتنام غياب تيار المستقبل لإثبات حضورها». ويلفت الخبير في الحركات الإسلامية الشيخ إبراهيم الصّالح إلى أن «الإسلاميين متفرّقون وكثيرين ترشّحوا من دون أن يتمكنوا من توحيد صفوفهم في لائحة واحدة ما يجعلهم طرفاً غير أساسي في اللوائح، بل روافع لها يرفدونها بأصواتهم».
رغم ذلك، تبقى الأنظار مسلّطة على الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، كونهما الجهتين الوحيدتين اللتين نجحتا، في ذروة قوة تيار المستقبل، في الوصول إلى المجلس النيابي، وإن كان «حضور الجمعية يتقدّم على حضور الجماعة» بحسب الصالح، عازياً ذلك إلى أنّ «جمعية المشاريع، على عكس الجماعة الإسلامية، لا تستمد قوتها من نفسها فقط، بل من مرشحيها أيضاً. فمرشّحها طه ناجي، مثلاً، ينتمي إلى عائلة طرابلسية عريقة، ما يكسبه تأييداً إضافياً، على عكس الجماعة التي ترشّح شخصيات غير ذات حضور في المدينة، كما حصل مع مرشحها في انتخابات 2018 وسيم علوان الذي تقاعس طرابلسيون كثر مؤيدون للجماعة عن الاقتراع له كونه من بلدة القلمون».
يبقى أن «الجماعة» و«الجمعية» هما أكثر الأحزاب تنظيماً في الشارع السني وأوسعهما انتشاراً، والأكثر حضوراً وإثارة للجدل على الساحة الإسلامية السنية. لكنّ طموحهما لـ«وراثة» تيار المستقبل يثير مخاوف من أن يزيد ذلك الشارع السني تشظّياً، إذ يُخشى أن يعيد بروزهما إحياء الصراع السّياسي والعقائدي الذي لم يخلُ من إشكالات وصدامات بينهما.
«الأحباش» أكثر حضوراً في طرابلس لانتماء مرشّحهم إلى واحدة من كبريات عائلات المدينة


المسؤول السّياسي للجماعة الإسلامية في الشّمال إيهاب نافع أكّد «أنّنا سنعوّض بلا شكّ جزءاً كبيراً من غياب التيّارين في الشمال، لكننا لن نحلّ مكانهما، فهما كانا في السّلطة فيما نحن تيّار شعبي». وأوضح لـ«الأخبار» أن «تقديراتنا تشير إلى أنّنا سننال أصوات قسم لا بأس به من المؤيدين لهما»، مشيراً إلى أن الأصوات التي نالها علوان في طرابلس في انتخابات 2018 (2000 صوت تفضيلي) «تعكس حجمنا الفعلي»، معتبراً أنّ «تلك النتيجة جاءت في ظروف مختلفة، والتحالفات يومها أضرّت بنا، بينما الظروف اليوم أفضل بكثير». نافع أكّد أنّ مرشّحي الجماعة في دائرة الشّمال الثانية، الأمين العام عزّام الأيوبي في طرابلس ومحمود السيّد في الضنّية «ماضيان في خوض الانتخابات، والاتصالات جارية بيننا وبين آخرين لتأليف نواة لائحة نحرص أن تكون كاملة، وهي تضم حتى الآن، بالإضافة إلى مرشحَي الجماعة، كلاً من إيهاب مطر (سنّة) وطوني محفوض (روم أرثوذكس) من طرابلس، ومحمد الدهيبي (سنّة) من المنية».
جمعية المشاريع، من جهتها، تخوض الانتخابات بالتحالف مع لائحة النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد تحت شعار «استعادة الحق»، في إشارة إلى «فوز» مرشّحها، مسؤول الجمعية في الشّمال، طه ناجي في انتخابات 2018 (نال 4152 صوتاً تفضيلياً) قبل أن «يُسلب» منه الفوز.
يؤكد القيادي في «المشاريع» المرشّح في دائرة بيروت الثانية أحمد دبّاغ «أنّنا لا ندّعي بأنّنا بديل عن أحد. لا أحد يُستبدل بأحد ولكل طرف خصوصيته، كما أن لا قدرة لنا على حمل كرة النّار في البلد في ظل الكوارث التي تحلّ به». واعتبر أن الكلام بأنّ «الفراغ الذي تركه معتدلون سيملؤه متطرفون يستفزّ أهل السنّة. لكننا لا نتأثر بهذه المقولات، ونحضّر حملاتنا الانتخابية على أساس ثقة جمهورنا بنا في كلّ الدوائر التي لنا حضور فيها».