كتب الروائي الفرنسي ميشيل ويلبيك قبل سبع سنوات رواية «الخضوع» التي صوّر فيها مستقبل فرنسا إسلامياً، و«إخوانجياً» تحديداً. خضع متعجرفو ومتغطرسو باريس لثقافة الغزاة الإسلامية التي أغرت نخب عاصمة الثورة التاريخية المثالية في ثقافة الغرب، وقدّمت لهم ما لا يمكن للمكابرة والمزايدة الرأسمالية تقديمه في آخر أيامها. النخب التي تتحدث عنها الرواية هي إجمالاً من الذكور الذين وجدوا أنفسهم يخسرون امتيازات راكمها أجدادهم عبر القرون باسم المساواة بين الجنسين التي ناضلت من أجلها أجيال. والامتيازات التي حصلوا عليها، أو أُغروا بها، هي جنسية بطبيعة الحال، من نساءٍ بعضهن قاصرات، يعدن للرجل شأنه مقابل تطاول «ناقصات العقل والدين» عليه. اعتبر النقّاد الليبراليون رواية ويلبيك قمة العنصرية، بينما رأى اليمين الفرنسي فيها «فشّة خلق» تدغدغ مشاعره الكارهة للوافدين إلى بلاد الصفاء. أنا شخصياً اعتبرت الرواية نقداً ساخراً للعنصريين، لكن قد يكون ذلك تبريري الشخصي لاستمتاعي بقراءتها وقراءة كتابات بديعة أخرى لميشيل ويلبيك.
على كل حال، خطر تسلّل الشريعة الإسلامية إلى أوروبا وقيمها الراقية لم يعد البعبع الذي كان عليه قبل شهر. أمّة محمد، بأمها وأبيها، نُسيت عندما قام فلاديمير بوتين، وهو بالمناسبة أسوأ من أيقونة الشرّ الأوروبي في القرن العشرين أدولف هتلر وفقاً للعديد من المقالات في إعلام الغرب الرصين، بغزو أوكرانيا.
بعد شهر من التحارب الأوروبي - الأوروبي، إذا اعتبرنا أن إقليم الدونباس ليس أوروبياً، رأينا من أوروبيي التفوق الاستعماري ما لم يُرونا مذ كانت لهم الغلبة. الغالب المتفوق ليس مضطراً ليرينا أي شيء، فالواقع المُعاش يثبت ما لا يحتاج أن يقوله. ما ظهر في العلن الشهر الماضي هو الانحياز التام، الإعلامي والكلامي، لمعسكرٍ يمجّد أيقونة الشرّ الأوروبي في القرن العشرين وأيديولوجيته، أدولف هتلر ونازيته. لا عيب في الشماتة، بل نستحق أن نشمت بعد معاناة أجيال مع نفاق استعماري فوقي يكابر ويزايد في القيم الإنسانية التي تجهلها شعوبنا المتخلفة. القيم الإنسانية ليست حكراً على الذين يفرضون تفوقاً بالقوة على مدى عقود وأجيال. الشماتة ليست إنجازاً، لكنها حق لكل من رفض الخضوع لعقود وأجيال من إذلال المستعمر.
الخطير في الموضوع هو أن الجبهة الأمامية للإمبريالية، جارتنا أوروبا، لجأت عند أول اختبار انحداري إلى أسوأ ما أنتجه تاريخها، وفقاً لسرديتها هي. فهي تمجّد النازية ضد الغريب، الذي يصادف أنه روسي اليوم. طبعاً هتلر لم يكن أسوأ ما أنتجته أوروبا، بل أسوأ ما حصل ضمن حدود القارة الأوروبية. لكن هناك عوالم أخرى انتُهكت ونُهبت وسُلبت وأُبيدت وسميّ ذلك في كتب التاريخ اكتشافاً وتحضّراً.
لا أحد يعرف ما قد يحصل في الأيام المقبلة. قد يخرج علينا من أوروبا الحضارة هتلر عابر للقارات. في هذه الحالة أليس من الأفضل أن يتقوا الله وأن يخضعوا لكابوس ويلبيك الإخوانجي؟