لم يكن هناك شك في أن حزب الله يتعاطى مع الانتخابات النيابية من زاوية المطمئن إلى اعتماد قانون الانتخاب من دون تعديلات ونتائج الطعن فيها، وإلى موعد الانتخابات، وحتى إلى اقتراع المغتربين. صحيح أن أمام القوى السياسية موعداً آخر، هو الرابع من نيسان، ليبنى على المشهد الانتخابي بعض الوقائع، عندما تسجل القوائم الانتخابية، إلا أن حزب الله بدا أكثر وضوحاً في تحديد خياراته في دعم حلفائه وجمعهم في دوائر حساسة.في الأشهر التي سبقت إعلان حزب الله أسماء مرشحيه وبعض ملامح تحالفاته، كان الوسط السياسي يتداول موضوع التمديد للمجلس النيابي من زاوية عدم رغبة الحزب والتيار الوطني الحر في إجراء الانتخابات. وكانت الفكرة السائدة، بحسب المعلومات التي جرى تداولها، مبنية على أن ثمة «حشداً غربياً وعربياً» يهدف الى تجميع القوى المعارضة للطرفين، من أجل تحقيق فوز كاسح في الانتخابات، وأن ضخ الأموال سيبدأ لتعزيز أوضاع المجتمع المدني والأحزاب المعارضة لتحقيق نصر على غرار انتخابات عام 2009. وهذا الأمر كان كفيلاً بترويج انحياز الحزب والتيار الى التمديد للمجلس وتأجيل الانتخابات الى ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية. في المقابل، كان موقف القوى المعارضة متشدداً في ضرورة إجرائها، مدعوماً من المجتمع الأوروبي والدولي لحصول الاستحقاق في موعده.
منذ أن افتتح الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله حملة الحزب وبدء التركيز على أهمية المعركة، تغيّرت المعادلة الداخلية في مقاربة مشاركة حزب الله في الانتخابات. في رؤية الحزب للمشهد الانتخابي المعارض، يظهر التفسخ كل يوم أكثر فأكثر. ويظهر، في موازاة ذلك، انشغال العالم الغربي عن لبنان، نتيجة حرب أوكرانيا وانعكاساتها الاقتصادية، وضمور المساعدات المالية الخارجية التي لم تأخذ المدى الذي جرى تصويره سابقاً، لتغطية معركة انتخابية شاملة لقوى المعارضة في وجه حزب الله.
لم يكن التمديد للمجلس النيابي، بالنسبة الى حزب الله، سوى من عدّة الشغل العادية التي جرى اعتمادها لضرورات سياسية، يمكن اللجوء إليه لحظة يتعذّر الاتفاق السياسي الشامل محلياً وخارجياً، لتأكيد حضوره في آلية اتخاذ القرار اللبناني. لكن ما ثبت لديه، في المقلب الآخر، جعله أكثر اطمئناناً الى الانتخابات ونتائجها، علماً بأن وضعية حزب الله الخاصة والداخلية لم تكن يوماً المقصودة في الكلام عن احتمالات خسارة فريق 8 آذار، بل كانت حصة حلفائه ولا تزال هي المقصودة. وقد ساهم كلام نصر الله الأخير في تأكيد هذه المقولة، من خلال تشديده على ضرورة إنجاحهم. من هنا، بدأ الحزب يستعدّ لكل الاحتمالات المطروحة على طاولة البحث، التمديد أو التأجيل أو إجراء الانتخابات، وبدأ لذلك يخوض معركته الانتخابية «الموسّعة» عنه وعن حلفائه، وحتى داخل صفوف الحلفاء في معركة تبدو حتى الآن أصعب من معركته مع خصومه، حتى يصل الى الموعد المحدد في جهوزية كاملة، علماً بأنه في الأيام الأخيرة بدأت الصورة تصبح معكوسة، فبات المجتمع الدولي وبعض قوى المعارضة متأرجحين حيال الغاية من الاستحقاق إذا كانت نتائجه ستفرز مجدداً سيطرة حزب الله على الواقع السياسي، وفائدة التمديد للمجلس كخطوة احترازية.
وضعيّة الحزب الخاصة والداخلية لم تكن يوماً المقصودة في الكلام عن احتمالات خسارة فريق 8 آذار


لا يدخل الحزب الانتخابات داخلياً فقط، بل إنه يوجه رسالة واضحة الى المجتمع الدولي والعربي. إذ يجمع سياسيون معارضون على أن مرحلة ما بعد الانتخابات هي الأهم والأصعب على جميع القوى السياسية. لذا استبق حزب الله موعدها بتأكيد دوره وحضوره مهما تكن نتائجها، ولو أنه يدخلها محصّناً بوضعيّة تعطيه تقدماً على معارضيه، في تأمين القاعدة الشعبية الواسعة. وإذا نجح في ما رسمه الى الآن من جمع حلفائه وتحصين حصصهم وزيادتها، يكون قد وجّه رسالة واضحة الى المجتمع الدولي بأن شرعيته وشرعية حلفائه تجددت لأربع سنوات جديدة. فكيف إذا استطاع تحقيق خرق في صفوف خصومه، كما قد يحصل في البيئة السنّية، بعد انفراط عقد تيار المستقبل والتجاذبات الحاصلة في الشارع السني.
كان لافتاً منذ أسابيع، بالنسبة الى سياسيين، كيفية مقاربة حزب الله الأخيرة لكل ما جرى من تطورات في المنطقة، من سوريا الى أربيل وحرب روسيا على أوكرنيا. ولم يكن أحد ليشكّ بأن الانتخابات يمكن أن تشغله الى هذا الحد، في وقت لا تزال فيه احتمالات التأجيل عالية. لكن الحزب الذي فتح أقنية مع باريس بوصفها راعية مبادرات سياسية واقتصادية، يستعد لاحتمالات تتراوح بين استتباب الوضع أوروبياً ومخاطر توسع الحرب، وبين نسف الاتفاق النووي وإبرامه، لكنه في كل الحالات، يضع نصب عينيه أن الانتخابات محطة يجب أن تكون نتائجها على قدر كل التحدّيات التي خاضها حتى الآن في تأكيد مرجعيته أمام المجتمع الدولي، فلا يقدر على تخطّيه. فتصبح ورقة في يديه قبل الاستحقاق الرئاسي وبعده.