بشكل ملتبس، أقرّت الحكومة أمس «موافقة مبدئية» على خطّة الكهرباء، وربطها بمجموعة شروط يفترض تضمينها في الخطة بشكل واضح تمهيداً لإعادة عرضها على مجلس الوزراء وإقرارها. «الموافقة المبدئية»، بمعنى آخر، هي إرجاء للمشكلة التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تجد حلّاً لها منذ عقود. وممارسة هذا التأجيل بدلاً من السلوك المعتاد لقوى السلطة في السجال المباشر والعلني، مرتبط بما اشترطه البنك الدولي لتمويل صفقات استجرار الكهرباء من الأردن وشراء الغاز من مصر، لجهة أن تكون لدى لبنان خطّة كهرباء. لذا، فإن الموافقة المبدئية، تترجم ادعاء لبنان بأن لديه خطّة رغم أنها قد لا تكون خطّة توافقية قابلة للتنفيذ مستقبلاً
لم تأخذ خطّة الكهرباء وقتاً طويلاً في النقاش الحكومي، رغم أنها الأكثر سخونة بين الملفات المطروحة سابقاً وحالياً. ففي جلسات محدودة وقصيرة، اتخذ القرار بإقرار الخطّة رغم الاعتراضات عليها، وأبرزها اعتراضات رئيس الحكومة نفسه نجيب ميقاتي الذي ادّعى في إحدى الجلسات أن شركته قادرة على إنشاء المعامل خلال 18 شهراً وتحقيق ربح أيضاً.
لكن فجأة، ومن دون اعتراضات علنية، أقرّ المجلس الخطّة التي لا تختلف كثيراً عن خطط وزراء الطاقة الآتين من التيار الوطني الحرّ. إنما هذه المرّة، وبسبب الحاجة الملحّة إلى تمويل البنك الدولي لاستجرار الكهرباء من الأردن وشراء الغاز من مصر لتشغيل معامل الإنتاج في لبنان بواسطتها، وبالتالي زيادة التغذية بالتيار لبضع ساعات إضافية، أقرّت الخطة بلا ضجّة. وبحسب قرار مجلس الوزراء في جلسة أمس، فإن قرار المجلس جاء بالموافقة المبدئية على «الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء»، شرط أن يصار إلى الالتزام بالنقاط الآتية:
ــــ في وجوب تطبيق القانون الرقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) بشكل فوري ولا سيما في شقه المتعلق بتشكيل الهيئة الناظمة وتسمية أعضائها بالمواصفات المعتمدة وفق المعايير الدولية.
ــــ تأليف لجنة وزارية برئاسة وزير العدل وعضوية وزراء: الطاقة والمياه، الداخلية والبلديات، التربية والتعليم العالي والثقافة، مهمتها مراجعة قانون تنظيم قطاع الكهرباء 462 واقتراح ما قد تراه من ملاحظات تستدعي إجراء تعديلات عليه عند الاقتضاء ومن دون أن يحول ذلك بطبيعة الحال، دون تطبيق القانون بصيغته الراهنة تنفيذاً لما جاء في البند الأول.
ــــ رفع التعرفة بعد تحسين التغذية ابتداء من 8 إلى 10 ساعات يومياً مع مراعاة وضع ذوي الدخل المحدود الذين لا يتجاوز استهلاكهم الشهري 500 كيلواط، ومراعاة وضع القطاعات الإنتاجية المستحقة بحيث يستفيد جميع هؤلاء من تعرفة خاصة. وفي هذا السياق، تلتزم الحكومة تعديل التعرفة بشكل تدريجي وعلى مراحل بالتزامن مع تحسين التغذية.
ــــ وضع خطة لتحسين الجباية ولا سيما من خلال استعمال العدادات الذكية.
الموافقة «المبدئية» إرجاء لمشكلة لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تجد حلاً لها منذ عقود


ــــ إعداد دفتر الشروط اللازم للإعلان عن مناقصة بحسب الأصول وتهدف إلى تحسين الشبكة وإنتاج الطاقة وفقاً للمخطط التوجيهي بأقل كلفة بعد إجراء مراجعة لهذا المخطط عند الاقتضاء.
إذاً، رغم كل الصراخ الذي كان يعلو أي نقاش في خطط الكهرباء، فإن هذه الخطّة أقرّت بشكل ملتبس ومؤجل رغم أنها ملف يوازي بسخونته خطة التعافي بكل تفاصيلها المتعلقة بتوزيع خسائر القطاع المصرفي. إنما المسألة في خطّة الكهرباء ليست مفهومة بمقدار مسألة توزيع الخسائر. إذ بعكس مسألة توزيع الخسائر التي ستحمّل أطرافاً أكثر من غيرهم ما يولّد صراعاً كبيراً بين أطراف معروفة ستحاول خفض حصتها من الخسائر، لا توجد جهة على استعداد للتصريح بأنها تريد الانتفاع من ملف الكهرباء أو تقاسم هذا الانتفاع مع غيرها. فما ظهر في ملف الكهرباء خلال السنوات الماضية، أن هناك اتهامات متبادلة لا وضوح فيها. فهناك من يتهم التيار الوطني الحرّ بأنه يريد تكريس منشأة كهرباء في سلعاتا لأسباب انتخابية، أو من أجل صفقة ما، وفي المقابل هناك اتهامات بأن حركة أمل هي التي تعرقل تطبيق الخطّة. ورغم أن الطموح بأن تكون هناك منشأة في سلعاتا مصدرها سلوك التوزيع الطائفي لمعامل الكهرباء من الزهراني إلى الجية والذوق ودير عمار... فإن السؤال الأساسي هو: هل لبنان بحاجة إلى معامل منتشرة على كل الأراضي؟ هذه مسألة واحدة من القصّة الكاملة. فهل تمسّك حركة أمل بإنشاء الهيئة الناظمة هو مفتاح الحلّ للكهرباء؟ ما حصل عملياً خلال كل السنوات الماضية، أن السلطة امتنعت أو منعت تعزيز القدرة الإنتاجية لمعامل الكهرباء، ورفضت تطوير شبكة نقل وتوزيع قادرة على إيصال الكهرباء بوتيرة واضحة وبلا مشاكل إلى كل المناطق، ولم يتم بناء بنية تحتية للتحصيل والجباية والتسعير أيضاً حتى بعد خصخصة هذا المجال. والمفارقة أن خطّة الكهرباء تتطرق إلى كل هذه المسائل، لكن النقاش ينحصر منذ أكثر من 15 سنة بالهيئة الناظمة، وبخصخصة القدرات الإنتاجية وشراء الغاز بدلاً من الفيول الذي تحوم رائحة الصفقات حوله منذ عقود ولم يوقفه أحد بعد... في ظل كل هذه المفارقات، أظهر الانهيار أن تأمين الكهرباء ليس ممكناً بلا مساعدة الولايات المتحدة التي يفترض أن تسمح للبنان باستجرار الكهرباء من الأردن وشراء الغاز من مصر لتشغيل معامله بكلفة أقل... لكن ليس لدى لبنان أموال ليدفع ثمن هذه الخدمات والسلع، وبالتالي عليه أن يقترض من البنك الدولي الذي لا يوافق على كل ذلك بلا خطّة كهرباء. وبحسب تصريح صادر أخيراً عن المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي كومار جاه، بعد زيارة ميقاتي، فإن كومار أبلغه أن تبنّي لبنان خطة للكهرباء شرط أساسي للبنك الدولي لتأمين تمويل الكهرباء.