أصدرت إحدى منظمات الأمم المتحدة تقريراً في آذار 2017 يتّهم النظام الإسرائيلي بممارسة جريمة الأبارتايد ضد الشعب الفلسطيني ككل. جن جنون الإسرائيليين والإدارة الأميركية آنذاك وخرجت سفيرتها للأمم المتحدة، نيكي هايلي، مهددة متوعدة المنظمة الأممية وأمينها العام وأمرته بإدانة التقرير وبإلغائه عن الوجود. رضخ الأمين العام وطلب إزالة التقرير عن موقع «الإسكوا». رفضت الأمينة التنفيذية للإسكوا ريما خلف هذا الأمر واستقالت من منصبها معترضة على الرضوخ للإملاءات والوقاحة الأميركية.لماذا جن جنون الأميركيين والإسرائيليين بهذا الشكل مع العلم بأن عشرات التقارير تصدر سنوياً عن الأمم المتحدة توثق الجرائم «الإسرائيلية» ضد الشعب الفلسطيني؟
■ أولاً، يحتل مصطلح أبارتايد حيزاً خاصاً في الوعي السياسي الغربي نتيجة تجربة حركة التضامن الدولية في السبعينيات والثمانينيات التي دعمت وتكاملت مع النضال والكفاح الشعبي في جنوب أفريقيا ضد النظام العنصري الفج الذي كان قائماً آنذاك. وكانت هذه التجربة نادرة من ناحية تحقيق حركة تضامن دولية انتصاراً لا لبس فيه من أجل قضية عادلة على الرغم من تناقض مصالح القوى الكبرى معها، فكانت بريطانيا والولايات المتحدة آخر من لحق ركب نبذ نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا بعدما أصبح الدفاع عنه محرجاً وعالي الكلفة، ولم ينافسهم في ذلك إلا النظام «الإسرائيلي» الذي بقي وحده متمسكاً بالعلاقة نظيره الإفريقي الذي يشبهه.
■ ثانياً، نتيجة تجربة جنوب إفريقيا، صنف القانون الدولي الأبارتايد أحد الجرائم ضد الإنسانية ذات التعريف الواضح، خاصة بعد إدراجه في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي أصبح له تبعات قانونية واضحة وجهة قضائية دولية يعود لها مهامها محاكمة ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة الجنائية الدولية من أفراد ودول.
■ ثالثاً، تفضي مقاربة الأبارتايد «الإسرائيلي» إلى إعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، ولحقيقة أن القضية الفلسطينية ليست مسألة مفاوضات على أرض وترسيم حدود، بل هي قضية ظلم ومعاناة شعب كامل تحت أنظار العالم لعقود، أينما تواجد أبناؤه، في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وتلك المحتلة عام 1967 وفي مخيمات البؤس واللجوء.
هذه الاعتبارات تفسر إلى حد ما الجنون الأميركي و«الإسرائيلي» حيال نطق كلمة «أبارتايد» في ما يخص نظامهم في فلسطين. وهي أيضاً تفرض التوقف ملياً عند مقاربة الأبارتايد هذه والتي بدأت كرة ثلجها تتدحرج خارج سيطرة الصهاينة وحلفائهم.