التدرّج في مهنة المحاماة ليس مجرد محطة إعدادية ملزمة قانونيّاً ومهنياً في حياة المحامين الجدد، بل هو مرحلة تعريفهم على وضع العدالة الناقصة، وأمور أخرى تتعلق بإدارة المكتب. ويعاني حالياً عدد كبير من المتخرجين حديثاً من كليات الحقوق صعوبة في تحديد مكتب محاماة يتدرّجون فيه. ويبدو أن هذه الصعوبات تتضاعف بسبب أوضاع البلد والأزمات المتراكمة.بحسب قانون مهنة تنظيم المحاماة، لا بد للمحامي الراغب باكتساب صفة محامي عامل أن يسجّل اسمه في إحدى نقابتي المحامين (طرابلس و بيروت)، للتدرّج لمدّة ثلاث سنوات في مكتب محام بالاستئناف. ويبدأ سريان هذه المدّة فور التسجيل في سجل المحامين المتدرّجين. ومن هنا تبدأ معاناة طالب التدرج بمراحل عدة: أولها البحث، وعدم القدرة على التسجيل في مكتب محام للتدرج، ما يعرقل فرصته في تقديم امتحان التدرج وتأخره سنة على الأقل حتى افتتاح دورة أخرى.
قبل خضوع طالب التدرج للامتحان، عليه أن يقيّد اسمه على اسم محام في الجدول العام، وهذه الخطوة دونها شروط كثيرة، منها ما هو قانوني ومنها ما يعود إلى أسباب أخرى.
(أنجل بوليغان)

مكاتب المحاماة لا تعتمد منهجية موحدة لقبول المتقدمين أو رفضهم. وفي بعض الاحيان تدخل اعتبارات عائلية وحزبية، ويؤدي «المظهر الخارجي للمحامي طالب التدرج دوره لدى البعض»، كما قالت هند التي فشلت، بعد مرور 3 سنوات من البحث، في إيجاد مكتب مناسب للتدرّج.
وبالرغم من أن القانون ينص على دور لمجلس النقابة في السعي لقبول المتدرجين في مكتب المحامين، إلا أن لا دليل على قيام المجلس بدوره، بشكل كامل بالرغم من تقدم العديد من طالبي التدرج إلى طلب المساعدة في إيجاد مكتب للتسجيل.

رسم الانتساب مليون ليرة
اجتاز محمّد امتحان التسجيل في نقابة المحامين، وقُبل محامياً متدرّجاً، لكنّ معالم الفرحة لم تكتمل على وجهه إثر إعلان النتائج في نقابة المحامين في بيروت. نشوة النجاح بدّدها هاجس توفير رسم الانتساب الذي ازداد من ثلاث مئة ألف إلى مليون ليرة لبنانيّة في عام واحد للذين لم يتجاوزوا سن الـ30، لترتفع القيمة بالنسبة إلى من هم أكبر عمراً.

الواسطة؟
في حال نجاح طالب التدرج في التسجيل في امتحان التدرج، يتفاجأ بـ «الواسطة» المنتشرة في النقابة «على عينك يا تاجر». وبحسب شهادات عدة من متخرجي الحقوق حديثاً، ويرددون ان العديد من طالبي التدرج حظوا بـ {مساعدة} خلال امتحانات التدرج. ولم تتمكن {القوس} من التدقيق في صحة هذه الادعاءات غير أن مجرّد انتشارها بين المحامين الشباب يدل إلى تراجع ثقتهم بالنقابة التي يفترض أن ينضموا إليها.

تسهيلات عائلية
تبدو عمليّة إيجاد مكتب محاماة مناسب أسهل في حال كان أهل طالب التدرج أو أحد أفراد عائلته يمارسون المهنة، إذ يعمد الكثيرون إلى توظيف أبنائهم على حساب فرص زملائهم الآخرين، و لو كانوا أقل كفاءة واجتهاداً، كما تتكاثر أوجه الخدمات و المعارف وتصل أحياناً إلى حد أن تكون تلك «الخدمات» شرطاً للتوظيف.

تمييز جندري وطبقي؟
وفقاً للفقرة الثانية من المادة الثالثة من نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين: «على المحامي الاعتناء بمظهره الخارجي، ولا سيما بلباسه الذي يجب أن يكون لائقاً ومتفقاً مع ما تفرضه المهنة من مهابة». ويستغلّ بعض المحامين هذه المادّة لفرض «اللباس البرستيجي» الذي يُترجَم في بعض المكاتب «بتنورة و كعب عالي» كما قالت المحامية المتدرّجة ماريا. وأضافت أن المحامي المشرف عليها «ما بحب البنات تنزل على العدلية لأنهن ناعمين ورقيقين».
إضافة الى التمييز الجندري الذي يشكو منه عدد من المتدرّجين، يكثر الحديث عن استغلالهم وتكليفهم بأعمال لا علاقة لها بالمحاماة.
من هنا يرى المحامي المتدرّج نديم بأن التدرّج في بعض المكاتب «سخرة وفيه استغلال»، متحدّثاً بألم عن تجربته المريرة. ويضيف: «حتى بدلات النقل اليومية استكترها عليي». علماً أن المادة 37 من قانون تنظيم مهنة المحاماة تشير إلى أنه على المحامي المدرِّج أن «يشجّع المتدرّج مادياً ومعنوياً»، بيد أن عبارة «التشجيع المادي» لها في أذهان المدرّجين، على ما يبدو، تأويلات مختلفة، «فعدد كبير منهم أغفل هذه العبارة في قاموسه نهائياً، والبعض يتمتع بأخلاق رفيعة ويعطي المتدرّج حقه»، يسأل المحامي المتدرّج فاروق: كيف يمكن للمتدرّج في ظل ما يفرض عليه، خلال سنوات التدرج الثلاث، أن يوفّر مصروفه؟ مضيفاً أن هذه المهنة ليست «لمين ما كان». المتدرّجون أبناء الطبقات الميسورة لا يشعرون بالمعاناة كحال غيرهم من الزملاء.
هل باتت المحاماة عملاً مقتصراً على ميسوري الحال؟ أو لمن يستطيع الاستحصال على دعم مادي عائلي خلال مدة التدرج؟


ومع أن جميع المحامين على يقين من الحالة المشؤومة التي نعيشها والتي تزداد سوء يوماً بعد يوم، يبقى البعض مصراً على غض النظر بحجّة أن المحاماة «مهنة حرّة وليست وظيفة، إنما مهنة أخلاق» كما ورد على لسان النقيب السابق ملحم خلف في حرم جامعة القدّيس يوسف سنة 2020 أثناء حوار مع اللجنة الطلاّبية التي أدلت بضرورة تفويض المحامين المتدرّجين ببدل أتعاب و لو رمزي. فحتى خلال السنوات الثلاث التي يتعيّن على المتدرج إكمالها في مكتب محام بالاستئناف، لا يوجد قانون يجبر المحامي على دفع بدل معين يمكّن المتدرج من الاستحصال على ما يخوله تأمين احتياجاته، كما هو الحال في بلدان أخرى كفرنسا مثلاً.
هل باتت المحاماة عملاً مقصوراً على ميسوري الحال؟ أو لمن يستطيع الاستحصال على دعم مادي عائلي خلال مدة التدرج؟ خصوصاً أن مبدأ التمانع وحدود ممارسة المهنة تمنع المحامي الجمع بين المحاماة ومهن عديدة أخرى.

بحثاً عن حلول
طالما أن مهنة المحاماة تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق عملاً بنص المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة ، وهي تساهم في تنفيذ الخدمة العامة، أليس المتدرجون جديرين بحماية تُسبغها عليهم نقابة المحامين؟ حماية من الاستغلال وضياع الحقوق؟ يطرح بعض الحقوقيين اقتراحاً يقضي بإلزام كل محام عامل أن يسجّل في مكتبه محامياً متدرجاً تختاره النقابة بطريقة ممكننة وإلكترونية من دون أي تدخل بشري، بحيث تؤمّن النقابة سجلاً خاصاً بطالبي التدرج الذين يتعذر عليهم إيجاد مكتب للتدرج فيه، ويختار برنامج إلكتروني ممكنن أسماء المحامين، ويلزمهم بتسجيل هؤلاء المتدرجين. من جهة أخرى، في ما يتعلق بالأتعاب ، لا يمكن لمهنة المحاماة أن تترك متدرجيها تحت تسلط المحامي المدرّج. ينبغي للنقابة أن تضع حداَ أدنى للأتعاب المتوجبة لهؤلاء المحامين المتدرجين، قد يكون متصلاً بعدد الجلسات أو بمكان انعقادها، ويحدد بدلاً متحركاً للنقل. فالمحامي العامل الذي يتقاضى أتعابه من موكله يلحظ هذه المصاريف ولا يجوز أن يثري على حساب المتدرج.



المادة 5: من قانون تنظيم مهنة المحاماة
بعد تحصيل شهادة الحقوق اللبنانية، يحق لكل لبناني (منذ أكثر من 10 سنوات)، يتمتع بسيرة توحي الثقة والاحترام، وغير محكوم عليه جزائياً أو تأديبياً، أن يسعى للتسجيل في نقابة المحامين


المادة 12: من قانون تنظيم مهنة المحاماة
على المحامي المتدرج الذي يطلب تسجيل اسمه في نقابة المحامين أن يعين في طلبه اسم المحامي الذي يرغب التدرج في مكتبه وأن يبرز وثيقة تثبت موافقة هذا المحامي على قبوله متدرجاً في مكتبه