تشمل الوثائق الموجودة لدى النائب العام القاضي غسان عويدات الأسباب التي دفعت إلى الاشتباه في حاكم مصرف لبنان وشقيقه بجرم الإثراء غير المشروع، وأهمّها الملف المتعلق بشركة «فوري» إذ يتهم القضاء الحاكم بأنه عمد إلى «توقيع نسختين» من العقد (هو عملياً عقد واحد) مع الشركة المذكورة، وبحسب المعطيات التي اطّلعت عليها «الأخبار»، فإن إحدى النسختين موقَّعة في 6 نيسان 2001 مع شخص مجهول وتم إيداعها في محفوظات مصرف لبنان، والنسخة الثانية أودعها رجا سلامة لدى فرع مصرف HSBC في سويسرا حيث يوجد حساب لـ«فوري». وبقي العقد ساري المفعول حتى ربيع 2015. وقد استمع القضاء إلى إفادات عدد من المسؤولين في المجلس المركزي لمصرف لبنان (بينهم المدير العام السابق لوزارة المالية الان بيفاني)، فنفوا جميعاً علمهم بأن يكون العقد قد عُرض للبحث أمام المجلس المركزي أو أنهم اطلعوا على تفاصيله. علماً أن العقد أتاح لشركة «فوري» الحصول على نسبة (عمولة) قدرها 0.375% عن العمليات المالية التي تجريها، والتي تشتمل على كل الودائع بالليرة اللبنانية (لأجل محدّد) الموجودة لدى مصرف لبنان، وكذلك بالدولار الأميركي، إضافة إلى شهادات الإيداع بالليرة أو الدولار وعمليات التبديل (سواب) دولار مقابل ليرة، كذلك على عمليات بيع سندات الخزينة وسندات اليوروبوند.
رجا سلامة

عنصر القلق الذي أثار القضاء ودفعه إلى مزيد من التدقيق، يعود إلى أن المجلس المركزي هو الجهة التي تقوم بفرض العمولة، ولكنه لا يحدد هوية المستفيد من هذه العمليات. وبحسب الإفادات نفسها للمسؤولين في المجلس المركزي، فإن العمولة تعود إلى مصرف لبنان نفسه ولا تعود إلى أشخاص أو شركات أخرى، وخصوصاً شركة «فوري». وورد في إفادات بعض من استجوبهم القضاء أن هؤلاء لم يسمعوا أصلاً بالشركة، مع الإشارة إلى أن التحقيقات التي توسّعت لتشمل موظفين من فئات أخرى في مصرف لبنان، أظهرت أن العمولات المستوفاة من زبائن «المركزي» كان مصيرها بيد مدير العمليات الخارجية في المصرف نعمان ندور الذي يعمد إلى تسجيلها في حساب مفتوح لدى المصرف المركزي (رقمه : 01.260.632.009)، ويبدو أن ندور نفسه أقرّ بأن حاكم مصرف لبنان كان يطلب منه تحويل الأموال المستوفاة إلى حساب «فوري» في مصرف HSBC في سويسرا. وأفاد مصدر واسع الاطّلاع «الأخبار» بأن ندور كان يقوم بإبلاغ سلامة بـ«إنجاز عملية التحويل عبر كتاب ثم يعمد سلامة، وبخط اليد، إلى إضافة عبارة (من خارج أموال مصرف لبنان) قبل أن يوقع عليها». وأكد المصدر أن سلامة نفسه أقرّ في جلسات التحقيق معه بأن أي موظف في مصرف لبنان لم يكن يعلم بطلبات شركات «فوري»، وأنه يتولى شخصياً إدارة التحويل إلى حساب الشركة في سويسرا. وما أثار مزيداً من الشكوك لدى جهات التحقيق أنه تبين لها أنه «لا يوجد في مصرف لبنان أي إيصال عمل أو فواتير صادرة عن شركة فوري بما يدل على حقوقها»، فكيف ذلك خصوصاً أن مصرف لبنان لم يتعامل مع أي شركة أخرى غيرها، علماً أن العقد معها لا يمنحها الحق الحصري.
التحقيقات - وفق المصدر الواسع الاطّلاع - استوجبت العمل مباشرة على ملفات الشركة نفسها، وهو ما استدعى دهم مقرها في بيروت، وجاءت المفاجآت وفق الآتي:
- تم إشغال المكتب المذكور لغاية عام 2016 من قبل رجا سلامة.
- أفاد المقيمون في جوار المكتب بأن رجا كان يزوره بصورة متقطّعة ولم يكن هناك أي عامل إداري أو موظف خدمات فيه، حتى إنه لا يوجد خط هاتف ثابت فيه.
- لا وجود لأي ورقة تدل على وجود عمل باسم شركة «فوري»، علماً أن سلامة حاول تبرير الأمر بالقول إن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب أتى على كل المحتويات، وهو ما يخالفه وجود وثائق أخرى في المكتب تتعلق بالممتلكات العقارية لرجا سلامة وأفراد عائلته في لبنان وأوروبا وأميركا، إضافة إلى أوراق تخصّ شركة «سوليدير».
ماريان الحويك

- تسلّم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي جميع الحواسيب والهواتف الخلوية التي تم العثور عليها في مكتب رجا سلامة. لكنّ الفرع لم يقدم تقريراً بنتائج فحص موجودات هذه الأجهزة إلى النيابة العامة.
- تأكيد رجا سلامة أن مهامّه في الشركة كانت لوجستية فقط، وأن من كان يقوم بالتوسّط مع الذين يشترون الأوراق المالية من مصرف لبنان، شخص آخر توفي، وليس لديه معلومات عنه تقود إليه بصورة واضحة.
لم تنته قصة «فوري» هنا. عاد رياض سلامة إلى التعمية على ملفاتها، إذ تبين أنه بعد تعيين إدارة جديدة لشركة تدقيق الحسابات في مصرف لبنان (Ernest & Young)، جرى البحث في الحسابات الخاصة بشركة «فوري»، وطُلب من سلامة الإفراج عن وثائق متعلقة بالحساب الذي يُستخدم لإيداع الأموال الخاصة بالشركة قبل تحويل الأموال إلى سويسرا. لكنه تذرّع مرة جديدة بالسرية المصرفية رافضاً عملية التدقيق.
قبل ذلك بسنوات، كان المصرف البريطاني في سويسرا (HSBC) قد رفض إنجاز عمليات مالية خاصة بشركة «فوري» بمبالغ تقلّ عن عشرة ملايين دولار أميركي، ما أثار غضب حاكم مصرف لبنان الذي عاد وطلب تنفيذ أمر عمليات بنقل المبلغ المذكور إلى أحد المحامين العاملين معه (م. ت). الأخير رفض بدوره التحدّث عن الحساب وسبب وصول الأموال إليه، بحجة «السرية المهنية» كمحامٍ، لكنه أكد وصول المبلغ إلى حسابه مكتفياً بالقول إنه بدل عن خدمات قدّمها للمصرف المركزي. لكنّ المفاجأة أن الحاكم نفسه، لدى سؤاله عن الملف، قال إن المبلغ ليس للمحامي بل ليعيد تحويله من حسابه إلى حساب شركة «فوري».