مقالات مرتبطة
ثانياً، منذ أعلنت بكركي مبادرتها حول الحياد ومشروع تدويل الأزمة اللبنانية، والمراوحة السياسية تسيطر على مواقفها. صحيح أن لا هفوات كبيرة بالمعنى الحادّ، لكن ليس من الصعب مقاربة موقف بكركي وسط الإشكالات السياسية المتتالية. ففي ظل تقاطع حساس، إقليمي ودولي، وجدت بكركي نفسها على مفترق طرق بين محاولتها فتح خطوط تواصل مع الدول الخليجية والعربية، لا سيما تحت سقف خطاب البابا فرنسيس ولقاءاته الإقليمية، وبين مراعاة بعض الخصوصيات الداخلية.
لا ينبغي التقليل من مستوى «الحنق» الفاتيكاني مما يدور في أروقة الكنيسة
لكن كان لافتاً، بالنسبة إلى سياسيين، أن بكركي لم تلاق الورقة الخليجية التي حملتها الكويت إلى لبنان، رغم أن جزءاً أساسياً منها يتقاطع مع طروحاتها. وقد تكون هذه من المفارقات، إذ لم يتلقّف البطريرك الذي فتح أقنية مع دول عربية الموقف الخليجي، وإن حاول في بيان مجلس المطارنة الموارنة الإشارة إلى «وضع حد نهائي للتدخلات في شؤون الأصدقاء والأشقاء»، ما يجعل موقف بكركي السياسي، محلياً وإقليمياً، متأرجحاً. وهي التي تقف مع الاستحقاقات الانتخابية وتطرح الصوت من أجل حصولها، لن تكون بمنأى عن حسم خياراتها المحلية في حال سلك الكلام عن التمديد للمجلس النيابي مسلكاً متوقعاً.
ثالثاً، في حين يصر مجلس المطارنة في شكل دائم على التذكير بضرورة الاتفاق مع صندوق النقد والقيام بالإصلاحات الضرورية، يمكن التوقف عند استمرار بكركي في الدفاع عن المصارف وعن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بذريعة عدم استفراده من دون غيره. وبغضّ النظر عن أي خطوات قضائية ترسم حولها علامة استفهام، يواصل الراعي منذ أكثر من سنتين الدفاع عن سلامة رغم كل ما يسجل في شكل يومي من إجراءات مصرفية ساهمت في تعميق الأزمة الاجتماعية، علماً أن الموفد الفاتيكاني كان حريصاً على التذكير بتنامي الفقر وبأن «عائلات تجد نفسها عاجزة عن النفاذ إلى حساباتها المصرفية». وهذا يعيد طرح الأسئلة عن خلفية كل خطاب بكركي حول سلامة والقطاع المصرفي الذي يزداد شراسة في إفقار الناس. ورغم أهمية الخطاب السياسي والطروحات الوطنية التي يحاول الراعي إظهارها عند كل مناسبة دينية كعيد القديس مارون، أعاد الفاتيكان رسم خريطة اجتماعية اقتصادية ملحّة وضعها أمام بكركي التي لا تزال متريّثة في سلوك مسلك جريء وواضح، وطرح خطاب يشبه على الأقل ما قالته بكركي من دون قفازات للرئيس الراحل رفيق الحريري حين اعترضت على مشروعه الاقتصادي والمالي، بغضّ النظر عن الهوية الطائفية للقائمين به.